يطرحُ الإسراف في النّبش عن الجذور مشكلةً غير ظاهرةٍ تدفع إلى القيّام بهذا الفعل لتجنّب غيره، فلا يبحثُ الباحث عن نسبٍ يعتدّ به، مثلاً، إلا مداواة لجروحٍ نرجسيّة، هي نتيجة اضطهادٍ حقيقيّ أو متمثّل.
تعلّمُنا كراريسُ علم النّفس، أن البحث عن معالم خارج الذات هو نتيجة لفقدان المعالم الداخلية، حيث يستجيرُ "التائهُ" بالعائلة أو القبيلة أو المجموعة الدينيّة أو اللّغوية أو الجهوية لتجاوز "هشاشته" وأخطر ما يحدث له هو تقديس مجموعة- الملجأ ورفض ومعاداة المختلف، الذي يفرز أنواع التطرّف وازدراء الآخر المعروفة، والتي قد تُترجم بالانخراط في أعمال عنف.
  وينطبق الوضع على الجماعات التي تلجأ إلى "تقييم" ذاتي مبالغٌ في إيجابيته كجوابٍ على سوء تموقع على المسرح الجماعي، فتختلق خطابات التفوّق والنقاء، كما تختلق الأعداء الذين يحولون بينها وبين مجدٍ تستحقه، عوض أن تعمل على توفير أسباب هذا المجد.
ويمكن العثور على عيّنات هذا "النوع" في المجتمعات المتخبّطة التي تواجه صعوبات في الانتقال إلى مرحلة الدولة الحديثة، لعدم التوفيق في إبرام عقدها الاجتماعي الخاصّ واكتفائها بمحاولات تقمّص نماذج قائمة، كما هو الشأن في بلدان خارجة من الاستعمار في العالم العربي وافريقيا.
يشيرُ إشهار الهويّة والتفوّق إلى خللٍ  و معاناة، لدى الأفراد والجماعات، لذلك يحتاجُ الصّخبُ الذي يُثار في كلّ مناسبة "عندنا" إلى الفحصِ والدراسة، لنرى أنفسنا جيّدا في مرآة العلم والتفكير، لأن الأمر يتعلّق بعيّنات باتت الميديا الجديدة توفرها "مجاناً" للمشتغلين في حقول الاجتماع والسياسة وعلم النفس ... وغيرها، لنزع أسلحةٍ خطيرةٍ من أيدي الغوغاء والمشتغلين في الصّحافة!
ويشكّل "مرض الهوية"، في تداعيّاته المختلفة، إحدى الموضوعات التي تحتاجُ إلى دراسات، في مجتمع لا يكتفي بدفع مكوّناته إلى المختبر، بل يتمثّل وضعيات بعيدة، فينشغل بقضايا مجتمعاتٍ أخرى بطريقةٍ تثير دهشة هذه المجتمعات.
قد تكون هذه الوضعيّة نتيجة حيرةٍ على باب عصرٍ يشترط "مفاتيح الدخول" على كلّ وافدٍ، لذلك علينا العمل على اكتساب رموز الدخول إلى عصرنا السعيد، وليس الهروب إلى كهوفنا القديمة أو الصّعود إلى أشجار السُّلالة.

سليم بوفنداسة

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    • سوط

      تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن جماعات شيطانيّة تتحكّم في المصائر، وتؤكد أنّها لم تكن بالضرورة مجانبة للصواب، شأنها في ذلك شأن الخطابات التي تسفّه القيّم الغربيّة وتُسقط عنها...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى