يطرحُ «الولعُ» بالعسكريّ، أسئلة مُحيّرة، خصوصاً حين يصدر عن الخصوم «المفترضين» للعسكراتيّة، لكنه يُؤشّر إلى حالةٍ معروفةٍ في كلاسيكيات المختصّين الذين يشتغلون على محنةِ الفردِ ونكساتِ الجماعاتِ.
في تسعينيات القرن الماضي بلغ الولع بالعسكريّ، في الجزائر، أوجه إلى درجةِ أن بعض الوجوهِ المحسوبةِ على النّخبة باتت تتظاهرُ بحملِ السّلاح، حين لا تفلحُ في حملهِ فعلاً!
و يذكرُ الذين لم يفقدوا الذاكرة بعد، حملات التسفيه التي استهدفت حاملي الأفكار السياسية والنّخب التي رفضت الانخراط في حمّام الدّم، وكيف كان إعلاميّون يُشيعون بأنهم لا يمارسون الصّحافة فحسب ولكنّهم على اتصالٍ دائمٍ بالأرواح الخفيّة التي تطلعهم على ما سوف يحدث غدا. ولم يكن كشفُ الحقيقة هو معيار النّجاح المهنيّ، بل البراعة في طمسها!
ويبدو أن هذا الولع  لم ينطفئ لدى البعض، كما يتضح من خلال الاصطفاف خلف جنرالٍ اكتشف بعد أن خلع بزّته أن الحياة لا تجري على الوجه الصّحيح، حتى وإن كان من حقّه أن يرى ويفعل ما يريد، بما في ذلك استدعاء تجربة أمريكا اللاتينية، التي خلّد – يا للمفارقة- نهايات جنرالاتها، خيرُ الحكّائين، غابو العظيم.
لكن أن تبشّر «نخبٌ» تناضل من أجل الحريات وحقوق الإنسان بالعسكريّ كمخلّص، فتلك مشكلة، تستدعي الانتباه والخوف، مع الاحترام الكامل لحريّة كلّ شخصٍ في اختيار ما يريد، عن قناعةٍ مثيرةٍ للأسى أو عن طمعٍ، لا بدّ أن نعترف بأنّه أفسد طباع الجزائريين.
ولا تبرّر هذا الموقف، حالة التصحّر التي تعرفها الساحة السياسية الوطنيّة، والتي من نتائجها انسحاب النّخب الحقيقيّة، وظهور أبطال الكوميديا السوداء، لأن بناء دولة حديثة وديمقراطية يتمّ بأدوات باتت معروفة لدى الشعوب والأمم، ولا تحتاج إلى إعادة اختراعٍ.
وإذا كان المحلّلون النفسانيون ينظرون إلى «حمل السلاح» كتعزيز لذكورة مضطربة، فإن نظرتهم إلى المفتون بحامل السلاح تُحيل إلى وضعيّة مشؤومة لا ضرورة لتفصيلها هنا !
و بعــد
بعد أن جرت دماء كثيرة أسفل الجسر، و ظهرت أجيالٌ جديدةٌ من رحمِ «الصّدمة» ، واحتلّ واجهةَ الوجاهةِ أثرياءُ الحربِ، ولم يعد للخوف أيّ معسكر، فقد «العسكريّ» الحظوة القديمة ولم يعد مطلوباً في سوقِ النّساء، مثلاً، لكنّه لازال مرغوباً في سوقِ الصّحافةِ وسوق الحريّات !  

سليم بوفنداسة

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    • سوط

      تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن جماعات شيطانيّة تتحكّم في المصائر، وتؤكد أنّها لم تكن بالضرورة مجانبة للصواب، شأنها في ذلك شأن الخطابات التي تسفّه القيّم الغربيّة وتُسقط عنها...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى