يحملُ حقيبته الثقيلة  ويجوب البلدات ملبياً دعوة الدّعاةِ إذا دعوا. لا ثروة له سوى كلمات لازال يعتقد أنها "تصل"، وبعض كتبٍ يعرضها على قراءٍ لازال يؤمن بأنّهم موجودون.
قد يجيب على أسئلةٍ حمقاء بسماحة المسلّم بضرورة دفع ضريبة التواجدِ في المكانِ غير المناسب، ويفرح كطفلٍ إن صادف قارئاً عارفاً. قد يتغاضى إن سمع ما لا يحبّ.
يعبر عمره سريعاً، وفي آخر الطّريق يكتشف أنه في حاجةٍ إلى البرهان على موهبته لمفتشين بلا موهبة، وفي حاجةٍ إلى تلخيصِ مُنجزه وسيرته للذين أسقطوا القراءة من قائمة انشغالاتهم، ويكتشف في آخر العمر أنّه لا يستطيع تأمين ضروريات الحياة، لأنّه رفض طيلة الطّريق أن يكون لِصّاً  كالآخرين.
ها هو الآن على باب الجبّانة يعرض الكتب، كبائع خردةٍ يعرف أنّه لن يستطيع منافسة المنتوج الصيني، ومع ذلك ينتظر الباحثين عن "القيمة" مهما تأخّروا.
لا يستطيع في أيامه الأخيرة أن يعيش في رفاهيّة كاتبٍ شاب في الضّفة الأخرى، ومع ذلك تجد اليوم من يحاول وضع "الكاتب الجزائري"  أمام "تشالنج" لا يختلف عن "تشالنج كيكي" ! من خلال مطالبته بإبداء مواقف يوميّة في الحياة العامّة و الانخراط في طقوس "فقهاء شبكات التواصل الاجتماعي" المتفرّغين للشتم.
 وظيفةُ الكاتب هي الكتابة و ليس النّواح في المآتم والغناء في الأعراس، وعلينا الانتباه إلى أن البحث عن أدوارٍ للكاتب خارج مداره ، عمليّة عبثيّة تنطوي على مفهوم رسالي كلاسيكي، مثلما علينا الكفّ عن تحميل الكاتب فوق ما يحتمل ومحاسبته على نحوٍ بشعٍ، إذ لا يُعقل أن يُقابل اسم الكاتب أو صورته عند كلّ نشرٍ بتعليقاتٍ الشاتمين الذين يقدّمون أنفسهم  كآلات لكشفِ الكُفرِ والإيمانِ، ولا يتردّدون في إطلاق أحكام جائرةٍ على الشّخص  والنّص، في تجاوب مع ما تثيره ميديا الإثارة، التي زوّدت في السّنوات الأخيرة، زبائنها التكفيريين بأسماء كبار الكتّاب في البلاد.
وبعد
 لعلّ التخلّف (بما في ذلك التخلّف العقليّ) الذي شخّصه "الكاتب" في شبابه، هوّ العقبة التي يواجهها في نهاية الرّحلة، حين يجد نفسه جالساً لبيع كتبه في مجتمعٍ لا يكتفي بعدم القراءة، بل يضيف سوء التقدير إذا لم يتمكّن من التنكيل.

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    • سوط

      تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن جماعات شيطانيّة تتحكّم في المصائر، وتؤكد أنّها لم تكن بالضرورة مجانبة للصواب، شأنها في ذلك شأن الخطابات التي تسفّه القيّم الغربيّة وتُسقط عنها...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى