لم تنل السنوات من شغفه بالكتابة، هو الذي اختفى في زمنه الطفوليّ. ولم تنل منه.  وهو يطرقُ باب الثمانين في كامل حيويته، لا يتوقّف عن إعادة  سرد حكايته وكأنّه يرويها للمرّة الأولى. رواية بعد رواية رفع معماره، موظّفا تاريخه الخاصّ الذي يدور حول جرحٍ عائليّ، وتاريخ الجزائر المعذّبة، أيضاً، بجشع الاستعمار وحماقات الأبناء. في كلّ نصّ نقف على مزج بديعٍ بين التاريخين، ونستعيد قصّة الأم المنبوذة والأب المزواج والأخ المتمرّد الذي يموت في ريعان الشباب، و شذرات من تاريخ الجزائر الحديث: من انقلاب بومدين إلى أحداث أكتوبر ثم سنوات الإرهاب...
رشيد بوجدرة ليس مجرّد كاتب، بل هو ظاهرة في حياتنا، فهو الذي رفع منسوب الجرأة في الأدب الجزائري، بتكسير طابوهات الجنس والدين والسياسة بشكلِ غير مسبوقٍ منذ "الإنكار"، الرواية- الزلزال، وهو ضمن الكتّاب القلائل الذين منحوا صوتاً  للمثقّف في مجتمع شفويّ لا يتعاطى القراءة ولا يتعامل بإيجابيّة مع "المكتوب"،  وهو الذي لم يتردّد في نقد النظام السياسي، في وقتٍ كان النقد فيه محرّماً وكان أغلب الكتّاب ينتسبون إلى منظّمة من منظّمات الحزب الواحد . كان ذلك قبل ظهور "السيلفي" بعقودٍ !
 و قد كلّفته مواقفه الكثير، ليس في الجزائر فحسب، ولكن في فرنسا أيضاً، حيث ظلّ ينشر أعماله دون خضوعٍ لشروط ِ الدوائر الإعلاميّة والأدبيّة التي تقايض المجد بالمواقف.
ليست هذه دعوة إلى حبّ رشيد بوجدرة، ولكن مجرّد تنبيه إلى أنّ الكاتب الذي يُرمي بالحجارة، بين الحين والحين، على باب الثمانين وهو الحبّة الأخيرة في عنقود لن تتكرّر حبّاته، فقد علّمتنا الخسارات منذ اختفاء مالك حداد وكاتب ياسين  ومحمد ديب...أنّنا لا ننتبه إلى رموزنا وهي تسعى بيننا ونسيء تقدير قيمتها في أغلب الأحيان.
بل هي دعوة إلى كفّ الأذية وإعادة اكتشاف نصوص هذا الكاتب، ومنحه التقدير الذي يستحق وهوّ بيننا، كما تفعل الأمم المتحضرة التي تحتفي بمواهبها الكبيرة، فهذا الكاتب بالذات أنتج نصوصاً كبيرة ومن المحزن حقاً، أن يتمّ تقديمه بالطريقة التي قامت بها بعض وسائل الإعلام في بلده، مستغلّة "عفويته" لتهيّج الجماهير التي لا تقرأ الكتب عليه.

سليم بوفنداسة

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى