وقع «نبيّ الحريّة» بين أيدي جلاديه، أخيراً، بعد سبعِ سنواتٍ من هروبه إلى جزيرةٍ تبيّن أنها لم تكن آمنة، لأن «الرّفيق السابق» باع القضيّة لقتلة الأطفال وتجّار السّلاح وشاربي النّفط، الذين استباحوا العالم وعادوا بالبشرية إلى العصور البدائيّة.
في سبعٍ عجافٍ فقد الفتى الأستراليّ شبابه وتحوّل إلى شيخٍ  يثير الشّفقة، سيدفعُ ثمن كشفه زيف القوانين الدولية ومنطق القوّة السائد في هذا الوقت المتأخّر من تاريخ البشرية.
لقد ذهب جوليان أسانج بالصّحافة إلى منتهاها، بنشره أسرار الحروب الأخيرة  وحقائق مرعبة عن الدبلوماسية التي تحوّلت إلى غرفة عمليّات ومؤامرات لنهب مقدرات الشّعوب وتدمير دوّل وحضارات، ونجح بموقعه في كشف ما عجزت عن كشفه مؤسّسات إعلامية بإمكانيات ضخمة،  بل أن الصّحافة العالمية ظلت لفترة ليست بالقصيرة تتغذى على برقياته، ومن الغرابة حقاً أن يذهب فاتح مغاليق البنتاغون ضحيّة نشر صورة عن السّلطعون، إذا صدّقنا الرواية التي تناقلتها صحف عالمية عن أسباب غضب الرئيس الاكوادوري لينين مورينو، الذي قرّر تسليم الصحفي اللاجئ في عهد الرئيس السابق إلى سفارة بلاده في لندن، وهي رواية طريفة مفادها أن «مورينو» استاء من نشر صورةٍ له في فندق بعد تناول وجبة سلطعون مشويّ على موقع ويكيليكس! 
رواية لا يمكن أن تحجب «صفقة» رئيسٍ تنكّر لاسمه وترك قلبه يميل إلى اليمين كثيراً.
انتهت القصّة على هذا النّحو المأساوي، وسيدخل أسانج السجن الحقيقي حاملا معه «أسراره»، ولن تنجح أية إدانة في حجب ما كشفه، وربما تحوّلت محاكمته إلى محاكمة «للعالم الحرّ» وأنبياء الحرية والديمقراطية الذين ضاقت صدورهم  بالحقيقة وقد انكشفت أمام الجميع.
وبالطبع فإن «الصحافة» التي «رافقت» الغزاة في حروبهم المدمّرة، ستنقل وقائع القبض على الطّائر الجريح و ما يليها من قصص الترحيل، وتسخّن قصّة الاغتصاب، و لا تتردّد في سرد قصص الصحفيّ القذر الذي لا ينظّف حمّامه في السفارة، لكنها ستغفل السّبب الحقيقي لاعتقال الرّجل، وتغفل حقيقة مرّة مؤداها أن الصّحافة ليست حرّة تماماً في أيّ مكان في هذا العالم، لأن «السلطعون» الضخم الجاثم على صدر العالم سيأكل كلّ من يحاول المساس بمصالحه.

سليم بوفنداسة

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى