كلّما لاحت فسحةُ حُريّةٍ، تعودُ السّلالاتُ إلى أشجارها الأولى لتستعين بالنّسب الرّفيع على القادم المجهول. إنه الإخفاق في التحوّل الاجتماعي المنشود الذي رافق الإخفاق في بناء دولةٍ وطنيّةٍ عصريّةٍ، رغم تعدّد «المحاولات» منذ الاستقلال.
إذ ورغم «التمظهرات» الحضارية التي تجلّت في المسيرات الشعبيّة وحمّست مختصين في علم الاجتماع للحديث عن «طفرة» تعيشها البلاد
و عن انفجار للمواطنة، إلا أن الحروب التي تدور على شبكات التواصل الاجتماعي، تكشف أن «المواطن» الذي يسير يوم الجمعة قد يخفي فارساً «يقاتل» من أجل القبيلة أو لمداواة خيبةٍ شخصيّة...
فالعنف المكبوت الظاهر في تعابير عدوانيّة، وفي مواقف عنصرية انتقلت من شبكات التواصل إلى ألسنة نخبٍ سيّاسيّة وأعمدة صحفٍ، يشير بوضوح إلى خطرٍ خلف الكلمات، يحيل إلى أن الذات الجزائرية لم تشف بعد ولم تتخلّص من مخزون الأحقاد رغم الحرب الأهلية التي عادة ما تصرف فيها التجمّعات البشرية مخزوناتها السوداء.
من المؤكد أن بلوغ  مرحلة الديمقراطية يأتي بعد مسيرة تقطعها المجتمعات والشعوب، التي تصلُ مدرّبة على العيش المشترك وعلى الاستعداد الدائم للتنازل
و المساهمة، وتستعيض عن العنف بالتنافس المكرّس للاستحقاق وبالحوار والنقاش وبالتالي تلفظّ  الأجسام الغريبة والشاذّة بطريقة تلقائية.
لا شكّ أنّنا في مرحلة التدرّب، والخوف كلّ الخوف أن نبدّد طاقاتنا في تدريبات شاقّة لا تعود علينا بالنتائج المرجوّة، ما لم ننتبه إلى وضع المقدّمات الصّحيحة للمقاصد، وما لم نقدّر «الوضعيّة الحالية» لمجتمعٍ تتحكّم فيه بنية أبويّة تقليدية، رغم ما يظهره من تمثّلات في بعض الحالات قد لا تعبّر عن حقيقته.
ومن المؤسف أن الحماسة قد تُذهب العقل، فيستوي العارف  بالمريد في «الطّقس»، وتتحوّل فرصة للتقدّم  إلى مسرحٍ هستيري يباحُ فيه المتاح.
و في غياب مؤسسات سياسية و مدنيّة حديثة ومؤثرة  فإن الجماهير سترتكز على «المؤسسات» التقليدية، ما يجعل الانتماء العرقي و الجهوي «لاعبا» غير متوقّع  في محفل مواطنة، وليس التراشق الذي نراه اليوم بين مختلف المكونات الاجتماعية سوى ترجمة لهذه الحالة.
ملاحظة
و أنت ذاهبٌ إلى المستقبل تخفّف من أسمال أجدادك !

سليم بوفنداسة

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    • سوط

      تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن جماعات شيطانيّة تتحكّم في المصائر، وتؤكد أنّها لم تكن بالضرورة مجانبة للصواب، شأنها في ذلك شأن الخطابات التي تسفّه القيّم الغربيّة وتُسقط عنها...

    • عن الوحشيّة عموما وعن الغرب بالخصوص

      قد تبدو الكلماتُ تعيسةً أمام الأهوال التي تحدثُ، وقد يبدو كلّ موقفٍ لا يغيّر الحال مجرّد انفعال بلا أثر، أمام الجدران التي أقامتها وسائل الإعلام الغربيّة ووسائل إعلام عربيّة مُتصهينة، حاولت اختزال ما يحدثُ في ردّة  فعل على اعتداء لمنع...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى