استسلم بعض "الأكاديميين" في الأسابيع الأخيرة إلى "إغراءات" الشّارع، وأصبحوا يطلقون الأحكام القطعيّة ويردّدون شعارات العامّة متخفّفين من صرامة تقتضيها وضعياتهم كمشتغلين في حقول علميّة، و قد يكون الأمر عادياً حين يعبّر المختصّ عن رأيه أو يعلن موقفه ممّا يحدث أو يقدّم خبرته للرأي العام، لكنّه يلامس المأساة حين يتخلى عن نزاهته مجاراة للسائد أو اصطفافاً أو يحاول "غسل عظامه" بتبني طرحٍ معاكسٍ لما كان يتبنّاه طيلة عقودٍ، أو يتحوّل إلى "قاراقوز" يصرخ ويشتم في الفايسبوك!
قبل سنواتٍ ليست بالبعيدة، كان دكاترة يزينون القوائم الانتخابيّة لحزبي السّلطة ويقاتلون من أجل التموقع في مرتبةٍ متأخرة بعد رجال المال الفاسدين، ومنهم من كان "يبكي" لعدم قبول ملّفه للترشّح في انتخابات ليست بالانتخابات، ومنهم من كان "ينوح" لحرمانه من استقبال الرئيس حين يحلّ بولايته في زيارة عمل وتفقد.( الرئيس ذاته الذي يشتمه الآن ويلعن عهده ! ) وقتها كان "الشاتم" راشداً، يصدر الكتب، يكتب في الجرائد ويتحدّث في التلفزيون ويبدو أنيقاً وذكياً وغير قابلٍ لخديعةٍ أو ابتزازٍ، لكنّه كان يترشّح ويبارك ويساند و يبرّر ويمدح ويريد ملامسة يد الرئيس ويحضر الولائم وينال "الإكراميات" ويحصّل الرّيوع التي تدفّقت في سنوات الخصب والنّماء، ولا ترى عينه الفساد والمفسدين.
أما الآن فإن الأنيق الذكيّ ذاته، يسيرُ يوم الجمعة مشهراً غضبه على "العصابة"، ويصدر كلّ نصف ساعةٍ بياناً يتضمّن تقييمه للأوضاع، وينشر صوّره في مختلف "الوضعيات" كي يعبده النّاس.
الذكيّ العارف لم يتغيّر، كما يبدو، ولكن غيّر وضعه طمعاً فيما كان يطمع فيه سابقاً غير منتبهٍ إلى أثر الطّمع على الطّبع.
يفترض في رجل العلم أن يكون نزيهاً في أدائه العلميّ  و في خطابه وفي سلوكه داخل المجتمع، بل ومصدر إلهامٍ   يشيرُ  إلى المسالك الصحيحة ولا يتردّد في الجهر بالحقيقة، لأنّه يمتلك الأدوات التي تمكنّه من الفرز.
يفترض أن تكون "استقامته" نموذجاً للسياسيّ والمواطن العاديّ على السواء. يكفي أن يكون كذلك كي يضيء، فالمجتمع يحتاج إليه هكذا، ولا يحتاج صراخه ولا صوّره في الوضعيّات المثيرة للسخريّة والأسى!
سليم بوفنداسة

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    • سوط

      تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن جماعات شيطانيّة تتحكّم في المصائر، وتؤكد أنّها لم تكن بالضرورة مجانبة للصواب، شأنها في ذلك شأن الخطابات التي تسفّه القيّم الغربيّة وتُسقط عنها...

    • عن الوحشيّة عموما وعن الغرب بالخصوص

      قد تبدو الكلماتُ تعيسةً أمام الأهوال التي تحدثُ، وقد يبدو كلّ موقفٍ لا يغيّر الحال مجرّد انفعال بلا أثر، أمام الجدران التي أقامتها وسائل الإعلام الغربيّة ووسائل إعلام عربيّة مُتصهينة، حاولت اختزال ما يحدثُ في ردّة  فعل على اعتداء لمنع...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى