تجري معركةٌ خفيّة تخجلُ من تسميّة نفسها، هذه الأيام، على هامش ما يحدثُ في الجزائر، يمكن رؤية دخّانها على منصّات التواصل الاجتماعي وفي بعض وسائلِ الإعلامِ، حيث يدفع «زعماء رأي» نحو الراديكاليّة وقطع الطريق على «أيّ حلٍّ» و إثارة قضايا حسّاسة في قلبِ الحراكِ الشّعبي الذي اندلع طلباً للحريّة و الديمقراطيّة
و إسقاط نظامٍ فاسدٍ.
دخانٌ شمّ الجزائريون رائحته في مراحل مفصليّة من تاريخهم المعذّب، ومن تأثيراته الجانبيّة أنّه يشيع المخاوف والأحقاد ويعيد النّاس إلى أعراشهم الغابرة، وكأنّ الخطوات التي قطعوها في البناء الشّاق للدولة الوطنيّة كانت ضرباً من العبث.
 ومن أعراض هذه الحالة، رفض الديمقراطيّة من طرف «فقهاء» ديمقراطيّة  يخشون ما تأتي به الصناديق، لكنّهم لا يتردّدون في قبول الحكم إذا تسلّموه  كهبةٍ من الجيش.
لقد كان «زعيم الأقليّة السّاحقة» الذي «اخترعه» عبد العزيز غرمول عنوان مرحلةٍ تميّزت بالفساد، حيث ينجح البطل الوصوليّ في شراءِ جميعِ النّاسِ في صعوده الأسطوري إلى القمّة، و رسم الروائيّ مخطّط ميكانيكا المجد في فترةٍ تحوّل فيها الانتهازيّ الفاسد إلى زعيم مهاب الجانب ويحظى بالقبول الاجتماعيّ أيضاً.
و يبدو أنّ العنوان الخارق لهذه الرواية يصلح لمراحل قادمة من حياتنا، حيث تسعى «أقليات ساحقة» إلى فرضِ منطقها على الأغلبيّة، مستغلّة «طيبة» الشعب  الذي يسير طلباً لشيءٍ آخر، معتمدة «الابتزاز» كأسلوب أثبت نجاعته في معارك سابقةٍ بين العصبِ.
و واضح أنّ المعركة المضمرة التي تجري داخل ملحمة الحريّة التي يخطّها الجزائريون لتغيير أحوالهم، ستكون حاسمةً بغضّ النّظر عن تكاليفها، وعن التضليلِ الذي يخفي تفاصيلها وحقائقها، ولا يتعلّق الأمر هنا باستعراضٍ لنظريّة مؤامرةٍ، بل بتطبيقاتها في واقعٍ جزائري ترفض فيه بعض «النّخب» الانفصال عن القوة الاستعماريّة السّابقة، مثلما ترفض هذه القوّة ترك الجزائريين وشأنهم، وإذا كان «المجنّدون» في المعركة يعرفون ما يفعلون، فإن ما يثير الأسف هو مشاركة البعض دون أجرٍ معلومٍ أو عن حسن نيّة.  
من المفيدِ للجزائريين وهم يتخلّصون من «النظام الفاسد» أن يخرجوا من شرنقة هذه القوّة ويفتحوا أبوابهم على ريّاح العالم، لأنّ «الحريّة المشروطة» لم تعد كافيّة للعيش في هذا العصر السعيد، ولأنّ المبتزّ لن يتوقّف عن فعلته حتى يتلقى حجرة من المانحِ.
سليم بوفنداسة

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى