تبدعُ مدنٌ في تعذيبِ سكّانها، وتجتهدُ أخرى في إسعادهم، لذلك تقطع قوافل من البشرِ الصحارى والبحار هرباً ممّا هي فيه.
المدنُ أحوال، وهي ابنة بُناتها وساكنتها كلّما ضاقت خيالاتهم  وفسدت أحوالهم انتكست.
إنها تدبيرٌ ذكيٌّ لإدارةِ حياةِ الجماعة اهتدى إليه الإنسانُ منذُ سخّر الهندسةَ لتطويعِ الفراغِ و احتلاله، وارتبط تطوّرها بتطوّر الإنسان نفسه وتطوّر العلومِ والمعارفِ.
لا تُرسم مدينةٌ بأصابع وزيرٍ أو والٍ في الهواءِ فيما يتأهّب خيالُه المضياف لاستقبالِ «أكياس» المقاولين، ولا تُبنى بأمرٍ من رئيسٍ يريد زراعة اسمه في ذاكرتها وتعليق صوّره على جدرانها، ولا يبشّر بالمدينةِ الذكيّةِ مسؤولٌ فشل في تسيير القمامةِ، المدينةُ الذكيّةُ هي خلاصة عمليّات ذكيّة يتولاها أذكياء راكموا المعارف والخبرات وسخّروا التكنولوجيا لتسهيلِ الحياةِ،  وهي عمليّة  لا تتوافق مع الإرث البيروقراطي الذي تسلّمته الإدارة الوطنيّة عن الإدارة الاستعماريّة والذي يقوم في فلسفته على الريبة وعدم التقدير وافتراض الغباء وتعقيد الإجراءات وإطالتها في نوعٍ من «التنكيلِ» بطالبِ الخدمةِ.
لقد أعاقَ الأسلوبُ السيّاسي  في إدارةِ حياتنا تطوّر الإنسان والعمران معاً، حيث تحوّل الإسكان إلى لعبة استقطابٍ بين المانحِ والمستفيد، والنتيجة بناء غيتوهات تتحوّل بعد سنوات قليلةٍ إلى قنبلةٍ اجتماعيّة غير قابلةٍ للتفكيك.
وظلّت خطابات التحديث و التغيير مجرّد وعود افتقرت إلى أدواتِ التجسيدِ، إذا سلّمنا بأنّ الأمر يتعلّق بعجزٍ وأسقطنا سوء النيّة، وانتهى الأمر إلى فقدانٍ كليّ للثقةِ وثورةٍ على الوضع، من أجل تغييرٍ  تحوّل إلى حلمٍ جماعيّ يعرّفه كلٌّ حسب «حاجته».
تحديث المدنِ في الطريق إلى المدينة الذكيّة يحتاج إلى تحديث أساليب إدارة الحياة العامّة، وليس إطلاق مشروعٍ نموذجيّ في «ربوةٍ  منسيّة» كما حدث في السنوات الأخيرة في الجزائر.
وقبل ذلك يجب الإصغاء إلى أهلِ الاختصاصِ والاستناد إلى الدراسات في اتخاذ القرارات، والقطيعة مع أساليب رفع الأصابع في الهواء وتقسيم الفضاءِ إلى «حصصٍ».
ملاحظــــة
لإعمارِ المدن الذكيّة نحتاج إلى إنسانٍ جديدٍ، أكثـر ذكاء من شقيقه الحالي، يضع الأشياء في موضعها المناسب، مثلاً، ولا يقتل نفسه حين يقود سيّارة في الطريق أو يذهب للسّباحة في البحر أو تباغته فرحةٌ عابرةٌ !
سليم بوفنداسة

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    • سوط

      تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن جماعات شيطانيّة تتحكّم في المصائر، وتؤكد أنّها لم تكن بالضرورة مجانبة للصواب، شأنها في ذلك شأن الخطابات التي تسفّه القيّم الغربيّة وتُسقط عنها...

    • عن الوحشيّة عموما وعن الغرب بالخصوص

      قد تبدو الكلماتُ تعيسةً أمام الأهوال التي تحدثُ، وقد يبدو كلّ موقفٍ لا يغيّر الحال مجرّد انفعال بلا أثر، أمام الجدران التي أقامتها وسائل الإعلام الغربيّة ووسائل إعلام عربيّة مُتصهينة، حاولت اختزال ما يحدثُ في ردّة  فعل على اعتداء لمنع...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى