ترجع نخبٌ الإخفاقات التي عرفتها الجزائر إلى اعتماد اللّغة العربيّة والتخلي عن الفرنسيّة، مغفلةً حقيقة أن الفرنسيّة ظلت لغة الحكم والاقتصاد وأنّ الذين حكموا الجزائر منذ الاستقلال استعملوا هذه اللّغة التي تحوّلت إلى رابطٍ متينٍ مع الثقافة اليعقوبيّة التي "تحلّت" بها الديكتاتوريات المتعاقبة وألقوا بالعربيّة إلى عمومِ الناسِ، وبالتالي فإن الإخفاق يقع على فاعله وليس على المفعول معه!
والغريب في القصّة أن بعض الذين كتبوا بالعربيّة و"اشتهروا"  بها تبنوا هذا الطّرح وباتوا يلعنون العربيّة كلّما نظروا في المرآة، في حالةٍ لا يمكن تفسيرها خارج التحليل النفسي، وتزدادُ الإثارةُ حين يُنكرون على الجزائريين التطلّع إلى تعلّم لغةٍ أخرى بحجّة أن المعارف و الأنوار تتوقّف على تعلّم لغةٍ واحدةٍ دون زيادةٍ.
و إذا كانت "للمناضلين" من أجل تلك اللّغة منافعهم الخاصّة، سواء لأنّهم لا يتقنون لغةً أخرى أو لأنّهم يتلقّون مقابلاً عينياً أو معنوياً، فإن بعض الذين يسوقون حججاً متعالمةً لفرضِ لغةٍ على حساب اللّغات كلّها يظهرون في موقفٍ تعيس، خصوصاً حين يسوقون، في مبرّراتهم، الروابط الخطيرة بين العربيّة والدين أو علاقة الانجليزية بالبعثية و الشرق أوسطية، ويكفي أن نراجع ما يُنتج بالعربية في الجزائر اليوم، سواء في الأدب أو في الفكر والفلسفة والاجتماع، لنقف على تهافتِ هذا الطّرح.
 قد تكون الفرنسيّة "غنيمة حربٍ" في الأدبِ، لكنّها كانت "أداة استبداد" في يد النظام  المدعو إلى الاختفاء بعد عقودٍ من الحكمِ، فالنظام لم يرث اللّغة فحسب عن سلفه الكولونيالي بل ورث أيضا، الايديولوجية الاستعماريّة المتعالية التي تقلّل من شأن الشّعب وتحتقره ولا تتردّد في إبداء الرّغبة في التخلّص منه، وقد تكون هذه الايديولوجية هي التي ترفض اللّغات الأخرى وتسفّهها.
من حقّ الجزائريين تعلّم الصينيّة أو الانجليزية أو أيّ لغةٍ أخرى تنفعهم في التواصل مع العالم والذهاب إلى المستقبل، من حقّهم الحفاظ على  اللّغة التي تعبّر عن هويتهم كبقيّة الشعوب والأمم، لكن من "الاستبداد" إجبارهم على العيشِ بين أسوارِ لغةٍ مهما كانت جميلة وعظيمة، فبقاء اللغة مرتبطٌ بالحاجةِ إليها وبصمودها بين الناطقين  والمشتغلين بها، ولو أحصينا اللّغات المنقرضة لتعبنا من العدّ !
سليم بوفنداسة

    • الخروج من حُجرة الكتابة

      خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو الذي فضّل أن يختتم الرحلة في الحجرة ذاتها التي شهدت ميلاد أبطاله، تمامًا كبطله  العجوز "بلانك" المحتجز في غرفةٍ ليُحاسب على ما...

    • قطارُ الباطل

      سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على الجامعات ومراكز البحث، سواء من حيث الاستثمارات والشراكات أو التمويل والتبرّعات التي تهدف إلى الهيمنة والسيطرة على القرار، وهو ما...

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى