أُطلقت سهامٌ كثيرة في اتجاه كمال داود في الأيام الأخيرة لأنّه تجرأ على «القيّم الجديدة» التي أُضيفت إلى ريبيرتوار الطابوهات، واللافت هذه المرّة أنّ الرّماة كانوا من المدافعين عن الكاتبِ حين هاجمه رشيد بوجدرة بتهمةِ الولاءِ لفرنسا والكتابة تحت الطلب للدوائر التي تصنعُ نجوم الأدبِ في باريس.
الغاضبون على داود لم يغضبوا لأنّ الرّجل استنكر استدعاء الجزائريين لفرنسا في كلّ أزماتهم لأنّهم يعانون من مرضٍ يجعلهم يكرّرون الثورة أو لأنّه «تعاطف» مع السفير الفرنسيّ الذي يصرفُ وقته وجهده في تكذيبِ الشائعات، بل لأنّه أبدى رأيه في مآلات الحراكِ بأسلوبه الذي تعوّد عليه القراءُ منذ أخرجه «ميرسو» من الظلام و بدأ الكتابة في الصّحافة الفرنسيّة!  و لأنّه انتقد تخلي الصّحافة الجزائريّة التي تصف نفسها بالحرّة عن المهنيّة وسقوطها في الدعاية والنّضال، ولأنّه قال إنّ الجزائر أوسع من أن يتمّ اختزالها في ساحةِ البريد المركزي بالعاصمة.
وحتى صحيفة «لوموند» نشرت مقالاً لجان بيار فيليو استهجن فيه ما كتبه كمال داود في «لوبوان» وقال إنّ الكاتب لم يرَ الذين يهتفون من أجل «الاستقلال  الجديد» في الجزائر ولم ينتقد الجيش وفوق ذلك رأى جنازة الفريق قايد صالح الضخمة التي «أنكرها» المبعوث الخاصّ لذات الصحيفة واعتبرها  «لا حدث» في العاصمة !
 واستغرب الكاتب الذي أبدى اهتمامه بالجزائر مجددا في الأشهر الأخيرة (و هو الذي اشتغل في الديبلوماسية الفرنسية) كيف رأى داود في الجنازة العاطفة التي كانت تنقص لإحداث إجماعٍ سياسيّ جديد؟
كان على الكاتبِ أن يكتب ما يرغب «الديمقراطيون» في الجزائر قوله، فهو رائع حين يهجو الدين أو الثورة أو ينتصر للعدوّ الحميم، لكن لا يجوز له الحديث عن عدم جدوى الحراك الذي حاول سيّاسيون فاشلون ركوبه وإبقاءه بدون رأسٍ كي يسهل عليهم الادعاء بأنّهم رأسه المستترة.
فليس من حقّ الكاتب إبداء الرأي أو تقديم روايته الخّاصة و «المختلفة» للأحداث، لأنّ هناك دائماً من يضع الخطوط ولأنّ الاستبداد يغيّر معسكره أيضاً.
نتعلّم من النقاش الذي يدور عند كلّ أزمةٍ في الجزائر بأنّ الديمقراطيّة تمرينٌ صعبٌ، خصوصاً حين نرى بعض دعاتها من «النّخب»  والإعلاميين يرفضون الاختلاف ويقدّمون في ذلك دروساً كبيرة ولا يتردّدون حين يتعلّق الأمر بمصالح صغيرة أو معارف في الدّفاع عن اللّصوص وتمجيدهم.
سليم بوفنداسة

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    • سوط

      تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن جماعات شيطانيّة تتحكّم في المصائر، وتؤكد أنّها لم تكن بالضرورة مجانبة للصواب، شأنها في ذلك شأن الخطابات التي تسفّه القيّم الغربيّة وتُسقط عنها...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى