يحمّل كتّابٌ أنفسهم حمولات ثقيلة في الحياة القليلة التي يقضونها على «هذه الأرض»، ويصرفون في ذلك وقتاً ثميناً ربما كان من المفيد استغلاله فيما هو خير وأبقى.
قد يكون الكاتبُ الذي يقضي وقته خاطباً في الجماهير الوهميّة وموجّهاً لها على شبكات التواصل الاجتماعيّ ضحيّة قراءات كلاسيكيّة لسيّر الشخصيّات التاريخيّة والأسطوريّة كأبطالِ الملاحمِ وشعراءِ العصور الغابرة والأنبياء، أي أنّه لم يقرأ عصره على النّحو الصّحيح، ولم يدرك أنّ «القيّم الجديدة» التي فرضتها عقيدة السّوق على الإنسانيّة لا تشمل الكاتب والشّاعر في تصنيفها القاسي، مع استثناء كتّاب غربيين «أنصفتهم» صناعةُ الكتاب وتجارته،  لأنّ الكاتب لم يعد بين «المؤثرين» في زماننا بكلّ بساطة !
 لذلك تضع الإرشادات والتوجيهات التي يقدّمها كتّاب لصنّاع القرار والشّعب صاحبها في موضعٍ تعيسٍ يثيرُ السخريّة أحياناً، خصوصاً حين يتوهّم أنّ التاريخ يقف في صفّه وأنّه خصّه برحمةٍ حرم منها الذين يقفون في الموقف المقابل أو الذين يمضون في حياتهم بلا ضجيج، رغم أنّ التاريخ قد أثبت في جميع أحواله أن الرّحمة هي الصّفة الوحيدة التي لا تليق بأفعاله.
يكفي الكاتب أن  يعاين مواقع التواصل الاجتماعيّ ليعرف المؤثّرين الحقيقيين والشخصيّات التي يتابعها الجمهور العريض، ثم عليه أن يعود إلى رشده ويختار بين ممارسة فعل الكتابة الذي يستهدف جمهوراً محدوداً ولا يمنح صاحبه أية سلطة على النّاس أو نجوميّة، أو الانصراف إلى «ممارسة» أخرى تجلب الأضواء وتستقطب المتابعين.
وسيقف خلال المعاينة، مثلا، على القصيدة الأخيرة للشاعر سولكينغ التي يقول فيها مخاطباً بثينة ما معناه: وضعتُ يديّ على كتفيك كي يدعك الناس في سلام ، ويضيف: يريدون رؤيتنا على شبكات التواصل وإني سأمكنهم من ذلك ..لذلك يقترح عليها الخروج هذا المساء مع التأكيد على أنّه يمتلك الفستان الملائم لذلك.
و دون الخوض في شعريّة القصيدة، سيكتشف أنّها حصدت أكثـر من تسعة ملايين مشاهدة في ظرف ساعات من تعليقها على كعبة اليوتيوب، وربما عرف ساعتها الفرق بين التأثير والفعل جالب التعاسة المذكور أعلاه.
ملاحظـــــة
الاستشهاد بقصيدة سولكينغ ليس غرضه التقليل من شأن هذا المبدع الشّاب الذي اجتهد و جنى ثمار اجتهاده ولا الرّفع من قيمة «الكاتب» الذي يستعطف التاريخ.
سليم بوفنداسة

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى