لم يدرس تروتسكي «الذّكاء الصّناعي» ولم يسعفه زمنه في تحصيلِ العلومِ التي تمكّنه من تحويلِ المكائدِ إلى أسلوبٍ في إدارة حياة الجماعات ، لكنّه استطاع أن يكون يد لينين التي تضرب ورأسه التي تفكّر. لم يكن لينين شقيقاً يحبّ شقيقه بل رفيقاً يصغي إلى العارفين، وكان تروتسكي كبير العارفين الذي أهله نضالُه وإسهامُه في الثورة وما تلاها لخلافةِ الزّعيم، لكنّ ستالين ظهر في الأمتار الأخيرة، وبقيّة القصّة معروفة وقد نُسجت على منوالها قصصٌ كثيرة في البلدان التي تزوّجت بنات الثورة الدائمة، حيث تسقط في كلّ مرّة رأس تروتسكي حين يشرف على القمّة، تماماً كما في الميتولوجيات القديمة.
كان المذكور أعلاه، العدوّ الأول للنومونكلاتورا التي ظهرت في هرم الحزب والدولة، لكنّ أبناءه المتأخرين أصبحوا يشكّلون نواة هذه العصبة، بل ويتحالفون مع الإقطاعيين الجُدد الذين تمّت صناعتهم على عجلٍ بقروضٍ من بنوك الدولة. و كذلك فعل أطفالُ الثورات الذين تطوّعوا في شبابهم وكتبوا أشعاراً ركيكة عن الفقراء وتحوّلوا في شيخوختهم إلى مصّاصي دماء، يستغلّون مناصبهم من أجل الثـراء ويبتزّون الفقيرات طالبات الشّغل!
لم يكن تروتسكي في حاجةٍ إلى قنواتٍ تلفزيونيّة «تعجّل» بتسريباته أو تفتك بخصومه، لم يكن في حاجةٍ إلى رجال أعمالٍ يختطفون «الثورة» من الفقراء ويأكلونها بأناقةٍ مبالغ في رقّتها في المطاعم الفخمة، ولم يكن في حاجة إلى أحزابٍ تناهض «المفترسين» علناً وتجتمع بهم سراً. لكنّ أطفاله المتأخرين فعلوا ذلك دون أن يفكّروا في خلع اسمه وإعادته إلى الخزانة العتيقة، لأنّهم لا يريدون التفريط في "وجاهة " تميّزهم عن بقيّة التّجار.
القصّة تنسحب على قطاعٍ واسعٍ من «أصحاب اليسار» في بلادنا، وتحتاج إلى دراسة جادّة ترصد تحوّلات النّخب التي استفادت من «النسيان الوطني» الذي يشمل جميع النّاس برحمته، وغياب ثقافة النّقد
و المساءلة وتراجع منسوب الخجل في حياتنا.  
خاتمة القصّة
يروى أنّ تروتسكي انزوى مهموماً دامع العينين، فقيل له ما الذي يُبكيك يا دافيدوفيتش؟ فقال: أخشى أن يأتي من بعدي رفاق لا دين لهم، يدافعون عن العمّال  ويبكون على الفقراء صباحاً ويشربون الفودكا مع الأوليغارشيّة في العشيّة!
سليم بوفنداسة

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    • سوط

      تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن جماعات شيطانيّة تتحكّم في المصائر، وتؤكد أنّها لم تكن بالضرورة مجانبة للصواب، شأنها في ذلك شأن الخطابات التي تسفّه القيّم الغربيّة وتُسقط عنها...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى