سليم بوفنداسة

يقترحُ صائدو الفيروس تضليله في انتظار التغلّب عليه. هكذا تجري الأمور دائماً منذ ابتكر الإنسان "الخديعة" لينال من فرائسه في سعيه نحو الغذاء أو المجد!
يتسلّل ويتخفى ويدعي حتى يصيب الهدف، من الصيّاد الأوّل إلى المتأنّق الأخير الذي يتلاعب في البورصة الماليّة أو في بورصةِ القيّم.
قد يكون القناع وجها بديلاً لمواجهة شرّ الفيروس، في مسعى تضليله، لكنه يمنح البشر المتأخرين فرصةً لإخفاء الهويّة والتشابه، أي يقرّبهم من أجدادهم البعيدين الذين كانوا يرتدون القناع لأسبابٍ أخرى يعرفها جيدا السيد كلود ليفي ستروس !
وحتى وإن كنا نحتاج إلى أدوات الأنتربولوجيا والتحليل النفسي لفهم وظائف "القناع" في تاريخه الحافل إلا أنّ بعض "الأهجيات" الشعبيّة التي تسعى للنيل من الوجه بكشف معدن قناعه لا تجانب الوجاهة، وهي تستند إلى الخبرة في رصد التفاعلات الاجتماعيّة، أي كيفيّة استخدام الأقنعة في المعاملات، منذ تحوّل الوجه إلى عنوان صاحبه في الأعراف التي راكمها الإنسان في انتقاله من الغابة إلى البراري والمدن.
وإذا كان علم الفيروسات قد تصدى فيما تصدى له إلى تكتيكات هذه الكائنات غير المرئيّة في الانتقال والانتشار والخداع ومقاومة المضادات، فإنّ السوسيولوجيا مدعوّة إلى الاقتداء به  في دراسة حركة الكائنات الكبيرة المرئية في انتقالها من وضعٍ إلى وضعٍ ومن حالٍ إلى حالٍ، والتخلي عن الإحصاء الذي يتيح قياساً غير دقيقٍ للظواهر، فمراقبة ميكانيكا "الترقيّة" الاجتماعيّة، مثلاً، تتطلّب حسّ البيولوجي وليس نباهة عالم الرياضيات ونزعاته التجريديّة.
ومثلما يعكف علماء الأحياء على رصد "حيّل" الفيروس في عبوره المدمّر، ينتظر من العلماء الذين يرصدون حركة الإنسان تطوير أساليبهم في دراسة تحوّلاته  و أقنعته المختلفة و مكائده  وما ينجم عنها من خطرٍ على النوع  وعلى بقيّة الكائنات التي تقاسمه الفضاء. الكائنات التي لا تضع أقنعة لاتقاء خطرٍ او لإخفاء الوجه ولا تستعمل لغة في تضليل غيرها.
ملاحظة
يضع اللّصوص أقنعة ظاهرة في عمليات السطو لإخفاء وجوههم، لكن أخطر عمليات السطو هي تلك التي يحتفظ فيها اللّصوص بوجوههم الحقيقيّة، أي تلك التي يكتشفها الناس في آخر القصّة ويندهشون!

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    • سوط

      تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن جماعات شيطانيّة تتحكّم في المصائر، وتؤكد أنّها لم تكن بالضرورة مجانبة للصواب، شأنها في ذلك شأن الخطابات التي تسفّه القيّم الغربيّة وتُسقط عنها...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى