سليم بوفنداسة

لا تحتاجُ الصّحافة إلى إعادة اكتشاف في الثالث ماي من كلّ سنة، فهي مهنة قديمة لها قواعدها وضوابطها المعروفة عالمياً، لذلك ينطوي التنظير لها على نوعٍ من البؤس، خصوصاً حين يمارسه الذين أفسدوا فيها أو الذين لم تسبق لهم ممارستها على الوجه الصّحيح، دون أن يُقال لهم ما يجب أن يُقال.
تحتاج الصّحافة، إلى مناخٍ ديمقراطيّ ومهنيين، فقط، وتتحوّل إلى ممارسةٍ أخرى إذا لم يتوفّر لها الشرطان.
و الملاحظ في النّقاش الذي دار بالمناسبة، في الجزائر، أنّ الاهتمام مركزّ على الإشهار ويعكس ذلك «المقاصد الحقيقيّة» للنّشطاء في القطاع الذين يستهدفون في بداية الأمر ونهايته تحصيل الريع، أما المهنة فهي مجرّد وسيلة قد تسقط من سلّم الاهتمامات.
ورغم أهميّة الجانب الاقتصاديّ في عمل المؤسسات الإعلاميّة، فإن النقاش الحقيقيّ يجب أن ينصبّ على المهنة التي امتهنت، لأسبابٍ مرتبطةٍ بالوضع السيّاسي في البلاد الذي جعلها تنمو نمواً غير طبيعيّ، وربما كان أحسن علاجٍ هو عدم تكرار أسباب العلّة حتى لا تنتشر الجائحة وفي الطريق الطويل سيسقط ما يسقط وتصمدُ المشاريع الحاملة لأسباب البقاء.
ويجب أن يوضع في الحسبان أن الصّحافة مهنةٌ نبيلةٌ تمارسها نخبٌ على مستوى عالٍ من التكوين والثقافة، وليست مرفقاً اجتماعياً أو مؤسسات تشغيل، ولا يُعقل أن تستقطب محدودي التعليم (الذين يستحقون كلّ الاحترام كمواطنين) وفيهم من وصلوا إلى مواقع قيّاديّة وأصبحوا يقدمون دروساً حول ما يجب أن تكون عليه الصّحافة والدولة، بل وتحوّلوا إلى مصدر خطر، لأنهم استعملوا المهنة كسلاحٍ لتصفيّة الخصوم وخدمة «السادة» بمن فيهم اللّصوص الذين استنزفوا مقدرات البلاد ، وجعلوا بالتالي من وسائل الإعلام أدوات للتضليل والتمكين للفساد.   
و لأنّ ازدهار الصّحافة يخدم ديمقراطيّة في طور النشوء ويخدم التنميّة البشريّة، فإن دعمها في هذه المرحلة يعدّ واجباً للمجموعة الوطنيّة، على أن يكون هذا الدعم خالصاً لوجه ذلك، بعيداً عن حسابات الحقّ والمنّة،  لتجنّب الانحرافات الخطيرة كتلك التي حدثت في السابق وكانت الصّحافة طرفاً فاعلاً فيها  ولازال أبطالها على قيد الحياة ولم يفقدوا الحماس ولم يتقاعدوا عن التنظير، و التي انتهت إلى تكريس عبادة الأشخاص.

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى