سليم بوفنداسة

تقدّم بعض المعالجات الإعلاميّة، قضيّةَ ترتيبِ نتائجِ مباريات كرة القدم كاكتشافٍ جديدٍ وكارثةٍ، وتنسى أن الفضيحة الأخيرة، فضيحة أخيرة في التاريخ فحسب، أما التلاعب فهو فنّ قديم ورياضة وطنيّة تتجاوز الكرة إلى مختلف مجالات الحياة.
تعرفُ الصّحافة أنّ المباريات تُرتّب منذ قديم الزمان وتعرف الجماهير ذلك، ويعرف مسؤولون عن الرياضة، ولا أحد انزعج، بل إنّ الجماهير والمسؤولين المحليين كانوا دوماً يدفعون برؤساء «متلاعبين» ومسبوقين قضائيا لقيادة أنديّة نحو النّصر!   
وبين الذين يدينون «الفضيحة» على شبكات التواصل الاجتماعيّ، متلاعبون سابقون ضاقت أمامهم فرص التلاعب فقط لا غير، وهم الذين كانوا إلى وقتٍ غير بعيد  يستقدمون اللاعبين بأجرةٍ معلومةٍ ويشاركون في العدوان على قيّم الرياضة و أخلاقيّاتها.
وإذا حاولنا تعريف التلاعب في الحياة قياساً على التلاعب بنتائج المباريات، فقد نقف على متشابهات كثيرة، أي إذا كان التلاعب هو تمكين الخاسرِ المحتملِ من نصرِ مؤكّدٍ، فإنّ لون الفضيحة سيزحف على قطاعات واسعةٍ من حياتنا تسيّد فيها الفاشلون، والنتيجة هي هذا التصحير الذي تعرّضت له البلاد في السياسة والثقافة والاجتماع، حيث اختفى حملة الأفكار  والمبدعون الحقيقيون و ذوو الكفاءة واحتل الواجهة «الذين احتلوا الواجهة».
ينتقل المتلاعب من النّقيض إلى النّقيض دون مشقّة، ليس في نشاطه الاجتماعيّ فحسب بل حتى في حالاته النفسيّة وهو ينتمي بحسب البورتريهات التي يرسمها المعالجون النفسانيون إلى «العائلة السكيزوفرينيّة»  ويعاني من انحرافٍ نرجسيٍّ يجعله يُبالغ في تقييم قدرات ذاته، وحتى و إن كانت نسبة هذه الفئة قليلة في المجتمعات إلا أنّ خطرها كبيرٌ جداً، لأنها لا تتردّد في استعمال الأساليب غير المشروعة  وتدمير كل ما يقف طريقها نحو الهدف، وتجد في البيئة الفاسدة فرصة «للتألّق».
ويموت المتلاعب كلّما أشيعت قواعد النزاهة والاستحقاق ويقتله أيضاً الزّجر الاجتماعي.
لذلك فإنّ اختفاء المتلاعبين يتطلّب تطهير البيئة من الأسباب المساعدة على انتشارهم، ويتحقّق ذلك بالانتقال إلى فضاء ديمقراطي وشفّاف يقصي الأساليب غير النزيهة في الحياة السيّاسيّة وينعكس ذلك آليا على الاقتصاد والإعلام والثقافة والرياضة، مع الإبقاء على حالة اليقظة واعتماد نفس الطرق الوقائيّة المتبعة في مواجهة «المستجدّ» الذي أفسد حياتنا.

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    • سوط

      تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن جماعات شيطانيّة تتحكّم في المصائر، وتؤكد أنّها لم تكن بالضرورة مجانبة للصواب، شأنها في ذلك شأن الخطابات التي تسفّه القيّم الغربيّة وتُسقط عنها...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى