سليم بوفنداسة

حاول نشطاء على مواقعِ التواصل الاجتماعيّ تنزيل ما يثار عالمياً حول العنصريّة إلى السّاحة الجزائريّة، أي إلى البحث عن جورج فلويد محلي لإطلاق صرخة المختنق.
وحتى وإن كان التماهي مع الأحداث العالميّة ظاهرة طبيعيّة في عالمٍ معولم، وقد يكون إيجابياً في الكثير من الأحيان، إلا أنّه قد يكون مجرّد صرعة ستنتهي بعد أن تكفّ الشاشات عن بثّ مشاهد المظاهرات وبعد أنّ يكفّ المشاهير الذين يتقاضون ملايين الدولارات نظير نشاطهم على مواقع التواصل عن نشر صوّر التعاطف المحسوب.
و الأمر هنا لا يتعلّق بالدعوة إلى عدم الاهتمام بقضايا الإنسانيّة، بل مجرّد إشارة إلى عدم جدوى الانخراط في هموم مجتمعات أخرى لها تاريخها الخاصّ ولها طرقها في تسويّة مشكلاتها، و الأجدى الاهتمام بأسباب الاختناق المحليّة، وهي كثيرة، في مجتمعات ما بعد الكولونيالية، وقد شخصّ طبيبنا الخاصّ فرانتز فانون (وهو  مرجع يجب تذكّره هذه الأيام وفي كلّ الأيام) مرضنا قديماً، ونصحنا بمواصلة العلاج، لكنّنا لم نفعل. لذلك فإن آثار «العُصاب الجمعي» الذي نصح فانون بالتخلّص منه مازالت ماثلة وقد تحتاج إلى وقتٍ للشّفاء كشأن كلّ الحالات التي تأخر علاجها.
و «تقمّص المعتدي» بعد رحيله، ليس المشكلة الوحيدة التي نعاني منها في إدارة حياتنا بل نواجه مشكلات مرتبطة بالانتقال الشكلي من نظم تقليديّة إلى مؤسسات  حديثة دون عبور المراحل التي يقتضيها الانتقال، فكانت النتيجة نقل البُنى التقليديّة إلى فضاء «الحداثة»، لذلك نكتشف بين الحين والحين صعود العشيرة في المؤسسة، ونرى كيف يتراجعُ الاستحقاقُ أمام روابط الدم، وكيف تتحوّل الجهةُ إلى جواز مرورٍ.
والخلاصة  أنّ لدينا ما يكفي من أمراضنا التي تحتاج إلى الاهتمام والنّقاش والعلاج، أما الأمم الأخرى فإنها معنيّة بجسدها وبتاريخها وتتحمّل مسؤوليّة العلاج السيئ لمرض العنصريّة، الذي أثبتت الوقائع والأحداث أنّ البشريّة لم تجد اللّقاح المناسب له رغم استنجادها بالعلوم والفنون والميثولوجيات والأديان.
ملاحظة على صلة ملتبسة بالسيّاق
 من فرط الألم يصرخُ «معرّبون»، وبأثر رجعي،  بلغةِ صاحب الرّكَبة، أمام حيرة فرانتز فانون الذي أغمض عينيه وقال: ألم أقل لكم؟

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    • سوط

      تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن جماعات شيطانيّة تتحكّم في المصائر، وتؤكد أنّها لم تكن بالضرورة مجانبة للصواب، شأنها في ذلك شأن الخطابات التي تسفّه القيّم الغربيّة وتُسقط عنها...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى