سليم بوفنداسة

شُحذت سكاكينٌ كثيرة في بدايات صيفنا الموبوء هذا، للنيل من سليم بركات، عاشق السّكاكين و كاشف السرّ الذي كان يجب أن يُخفى، و أغرب ما يمكن أن يُقرأ في صحائف العرب عن السّجال هو أنّ بركات "يتقعّر" ولا يحسن الكتابة وفوق ذلك لا يلبسُ قميصاً لائقاً ويغار من محمود درويش الأنيق والجماهيريّ.
لقد كانت الفرصة مناسبة لكتّابِ الإنشاء للنيل من "خير من يكتب بالعربيّة الآن" باعتراف درويش نفسه، والإشارة بأصبع العنصريّة الحمقاء إلى كرديّته.
وتجد في جوقةِ الساخطين على إفشاء السرّ، بعض المختصين في كسرِ الطابوهات طلباً لغضب الغوغاءِ الذي يبقيهم على قيْدِ الحياةِ على مواقع التواصل الاجتماعيّ،  لكنّهم يستهجنون حديث شاعرٍ عن ضيْق صديقه بمواثيقِ الأبوّةِ و تنصّله من ثمرةٍ تركها تذهبُ في هويّة أخرى، أي في حياةٍ كاذبةٍ، وتلك مسألة كان يفترض أن يحلّلها علماءُ النّفس وليس كتّاب الأدبِ ونقّاده.
وتكشفُ العاصفة التي أثارها مقال سليم بركات عن أمراضِ الثقافة العربيّة الكثيرة وفي مقدمتها عدم تقبّل الحقيقة وتفضيل الكتمان وطغيان الدينيّ على سواه،  بل وعودة المكبوتات السحيقة كالرغبة في وأد البنات! فبعض الكتابات التي ترفض احتمال وجود بنت للشاعر الكبير (الذي لم يلد) تحيل إلى التاريخ الأسود الذي تُقبر فيه البنت والذي لا تزال تمثّلاته ساريّة إلى اليوم، وتكفي التعليقات المرحبّة بما يُعرف بجرائم الشّرف على مواقع التواصل كدليلٍ على ذلك.
كان ما كتبه بركات سيمرّ بصخب أقلّ في ثقافةٍ سويّة يفرّق فيها النّاس بين الإبداع وصاحبه ولا تجنح نحو أسطرة الأشخاص وتحميلهم فوق ما يستطيع الإنسيُّ حمله، لكنّه تحوّل هنا إلى مواجهةٍ عرقيّة بين مثقفين  وجماهير تُستثار بسرعة، مع استثناء أصوات العقلِ التي ارتفعت وسط العاصفة. فلا الطفلة ستنال من شعريّة درويش ولا من مكانته في ريبيرتوار الشّعر الإنسانيّ، صدقت أمّها أم كذبت، ولا "إفشاء السرّ" يمسّ بقيمة سليم بركات كروائيّ وشاعرٍ متفرّدٍ فعل بالعربيّة ما لا يقدر على فعله المتعصّبون لها.
ملاحظة
نزعة صناعة الأوثان في الثقافة والسيّاسة والاجتماع و عدم تقبّل الحقيقة والاطمئنان إلى الوهم ورفض المختلف، من أسباب خراب الأوطان والإنسان.

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى