سليم بوفنداسة

أثار إعلان الذهاب إليها أسئلة ومخاوف، لأنّها عادة ما تأتي إلى النّاس و تعفيهم من مشاقّ الطّريق. تحضرُ كلّما أمعنت في الغياب، الأزليّةُ، التي ستبقى حين يرحل الرّاحلون ويتركون الظّل الأثر على الجدران، وتبقى حين يسقط كلّ حاملٍ لأسباب السقوط  ويضيع كلّ من جمع أسباب ضياعه و حين يغيّر الغزاة أساليب الحروب وتكتيكاتها، كأن يتولى مُناولون محليون في بلاد العرب وما جاورها عمليات التدمير الهادئ وفق بروتوكولات الجيل الرّابع التي صاغها الاستراتيجيون المهرة لإسكاتِ دافعي الضرائب في البلدان التي تُسمع فيها أصوات الشّعوب.
الذهاب إليها فكرة عبقريّة ما في ذلك شكّ، وقد عوّدتنا امبراطوريّة الذاهب على العزف على وتر الجمال، بداية باستخدام اللّغة كأداة بقاء عند اقتضاء الرّحيل، ومرورا باستغلال رعاية الفنون للإحالة إلى الأمّ الكبيرة التي تُديم الحبل السري مع أطفالها في كلّ مكان.
 قد تكون الفكرة بريئة، لكنّ السياق يفسدها، خصوصاً  و أنّ الضيف العزيز يحمل ورقة إملاء.
هل قرأ «ماكرون» كتاب «الثقافة والامبرياليّة» ليعرف أنّ السمّ قد يكون مدسوساً في طعام لذيذٍ  وأن النيّة الطيّبة قد تخفي شراً مضمراً يجهله حتى صاحبها، فاختار الاعتراف بكلّ ما تعنيه «فيروز»؟
في كلّ الحالات، هناك لعبة رمزيّة، وقد عانينا، قبل الأشقاء في لبنان، كثيراً من لعبة الرّموز و ألاعيبها في علاقةٍ ملتبسةٍ مع مستعمرٍ لا يعرف فيها كيف يكفّ عن استعماره ولا نعرف كيف نستريح من الأذى، وقد تحوّل استقطاب المبدعين والنّخب إلى أسلوبٍ جائرٍ في الإحالة إلى ماضٍ لا يُراد له الانقضاء.
لكنّ فيروز، وهذا هو الجميل في القصّة، لا تحتاج إلى أحدٍ، فهي أسطورة مكتملة، قد يتمّ اللجوء إليها للبرهان على رجاحة موقف أو ادعاء ذلك، قد يتمّ الاستئناس بها أو التمسّح بها،  لكنّ ذلك لن ينال من صورتها، لأنّها فوق الحروب الظاهرة والمستترة، لأنّها صوت الحقّ الذي يفشل الباطل في حجبه.
لذلك فإن «المخاوف» والانتقادات التي سمعناها بهذه المناسبة، تبقى توجّسات محبّين يعرفون في نهاية المطاف أنّ فيروز أيقونةٌ غير قابلةٍ للخدش،  وأنّ كلّ مناسبة سارّة أو مؤلمة، هي فرصة للإعلان عن حبّها من جديد !

    • الخروج من حُجرة الكتابة

      خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو الذي فضّل أن يختتم الرحلة في الحجرة ذاتها التي شهدت ميلاد أبطاله، تمامًا كبطله  العجوز "بلانك" المحتجز في غرفةٍ ليُحاسب على ما...

    • قطارُ الباطل

      سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على الجامعات ومراكز البحث، سواء من حيث الاستثمارات والشراكات أو التمويل والتبرّعات التي تهدف إلى الهيمنة والسيطرة على القرار، وهو ما...

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى