سليم بوفنداسة

يشهرُ الموقفَ دون تفكيرٍ، لا يكلّف نفسه عناء فهمِ القضيّة والإلمام بتفاصيلها، يكتفي بالعنوان فقط ويلقي بجمله الجاهزة.
 يحدثُ ذلك في قضايا بسيطة أو مسائل شائكة، في أحداثٍ وطنيّة أو دوليّة يقتضي فهمها الاطلاع الدقيق ويلتقي في المطبّ العاديُّ والأكاديميُّ و «الإعلاميُّ».
و قد خدمت وسائلُ التواصل هذا الاندفاع الأعمى نحو إدلاء الدلو في كلّ موقعٍ وأعفت كثيراً من النّاس من التفكير الذي أصبح عادةً قديمةً، أو من التريّث الذي تميّز به الإنسان عن غيره من الكائنات في التعامل مع الطبيعة والمحيط.
وهكذا أصبح الإنسانُ المدموغُ بالفهم ظاهرة منتشرة في كلّ مكان، ومن خصائصه أنّه بدون كوابح، لا يسمح لك بإكمال جملة  وقد يدوسك إذا تصادف وجودك مع عبوره الكبير في «الطّريق»، ومن مخاطره أنّه يساهم في نشر المغالطات التي تضلّل الرأي العام في المجتمعات التي تسود فيها ثقافة القطيع، و يكفي تحليل محتوى تعليقات الجماهير على المنشورات والمواضيع لنعرف أنّ من يعلّق أولاً  قد يوجّه من يليه ويحدث ذلك في إبداء المواقف وفي عمليات التضامن وحتى في إمضاء بيانات التنديد أو المساندة !
لذلك قد تجد متضامنين مع لصّ أو فاسدٍ بالقولِ وبالعمل وبالسعي غير المحمود، وقد تجد من يستميت في الدفاع عن «مظلوم» لا يعرف تهمته وقد تجد من يساند الباطل وهو يرتدي جبّة الحقّ.
يتشكّل المُندفعُ من طموحٍ تعوزه الأدوات وحلم لا يصدّقه الواقع، أي أنّه ينحدر من السلالة «السكيزوفرينيّة» المجيدة التي تعالج خيباتها باختلاق واقعٍ بديل، وقد ينجحُ في القفز على حواجز الحياة مستفيداً من التخلّف الذي يميّز المجتمعات المذكورة أعلاه، حيث تعوّض الحيلةُ العلمَ والجسارةُ القدرة على التدبير، وبالطبع فإن زيادة الاندفاع تؤدي إلى الفوضى.
 وعلاج الداء وأعراضه في إشاعة الاستحقاق الذي يكرّس الشرعيّات ويضع القواعد السليمة للعيش بدون تدافعٍ ولنيل المطالب دون حاجة إلى التمني المرضي أو المغالبة المهلكة، وقبل ذلك في تمكين المواطنين من تعليمٍ نوعيّ يتيح لهم، على الأقلّ، القدرة على التفريق بين ما يضرّ وما ينفع وعلى نزع مسامير الباطل من لوحة الحقّ.
سليم بوفنداسة

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى