تختفي خلف النّار التي أتت على مساحات واسعة من الغابات نارٌ أخرى، يحتاج إطفاؤها إلى جهدٍ خاصٍّ عبر مصالحة الإنسان الجزائريّ مع الحياة ودفعه إلى الإقبال عليها مجدّداً.
فحرق الشجرة  والاعتداء على الطبيعة  والفضاء العام هو ترجمة لشهوةِ العدوان التي أصبحت من نزوات الذات الوطنيّة ولا نحتاج في رصدها سوى إلى الانتباه لأنّها تتحرّك في كلّ مكانٍ وتكتسح الفضاء الالكتروني حيث ترتفعُ السكاكينُ والعصيُّ في شكل كلمات ركيكةٍ وأحياناً أنيقة، تصدر عن أنامل «عارفة» تحرّكها البارانويا التي نمتلك احتياطياً ضخماً منها.
وقد نجد جواباً عاماً على الظاهرة في مراجعة التاريخ المعذّب للجزائر الذي شهد اعتداءات على الحياة  وعلى الطبيعة في الحروب القريبة والبعيدة مخلّفة خزاناً من  الصّدمات غير المعالجة في اللاوعي الجمعي، تضاف إلى ذلك الإخفاقات في بناء الدولة الوطنيّة والصراعات على السّلطة والريع التي بلغت حدود التطرّف.
تحتاج الغابة إلى عشرات السنوات لتحقيق التوازن البيئي الذي يختلّ بفعل الدمار الذي يلحقه بها الإنسان، وتحتاج المجتمعات أيضاً إلى فترة مماثلة لبناء إنسانٍ لا يحرق الغابة ولا يلقي فضلاته أمام مسكنه ولا يجلس على سلالم العمارة ولا يبول على الحائط ولا «يعيشُ» في الشّارع.
تعلّمنا الدفاتر التي تبحث في سيكولوجيّة المخرّبين، أنّ وراء كلّ مخرّب قصّة إحباطٍ أو فشلٍ أو غيرةٍ أو سوء تقديرٍ للذات أو ظلمٍ...وحين يرتفع منسوب التخريب والعدائيّة في مجتمع فإنّ التدخّل العلاجي يجب أن يكون جماعيّاً، أي عبر تدابير سيّاسيّة تستهدف مجالات التنشئة والتنظيم ولا تكتفي بالردع وحده.
و يجب في حالتنا أن نتخلّص من نفحات العظمة التي أطلقها فينا ساسةٌ يفتقدون إلى بعد نظر وندرك أنّنا في حالة تخلّف تستدعي التدارك وأن نكفّ عن ادعاء التقدّم والتطوّر ونحن نتخبّط في ممارسات بدائيّة لا نحترم فيها حتى الحياة باعتدائنا الآثم على الطبيعة وتعاملنا الانتحاري مع وباء قاتل. كما يجب حلّ المعضلات المرتبطة بالشرعيّة والتخلّص من ثقافة الصّراع وإشاعة ثقافة الاستحقاق التي يمتثل الجميع لقواعدها المُنصفة التي تتكرّس بالتكرار والنزاهة، وبذلك يمكن قتل بذور الشرّ في تربتها الأولى.
سليم بوفنداسة

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    • سوط

      تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن جماعات شيطانيّة تتحكّم في المصائر، وتؤكد أنّها لم تكن بالضرورة مجانبة للصواب، شأنها في ذلك شأن الخطابات التي تسفّه القيّم الغربيّة وتُسقط عنها...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى