اشتكى الروائيُّ ياسمينة خضرة من حصارٍ فرنسيٍّ يسهرُ على إحكامه الكاتب الطاهر بن جلون، وقالها صراحةً إنّ الكاتب المغربي وعضو لجنة غونكور، هو الذي يشيع منذ  عشرين سنة في الأوساط الأدبيّة الفرنسيّة بأنّه يعرفُ الكاتب الحقيقيّ لروايات الكاتب الجزائريّ!
خضرة قال في حصّة على قناة TV5 الفرنسيّة، إنّ بن جلون يقفُ وراء حرمانه من الجوائز ومقاطعة وسائل إعلام فرنسيّة له، ما دفعه إلى إصدار كتابٍ  يضمّ مجموعة حوارات للردّ على "التشويه" الذي تعرّض له "في بلد اسمه فرنسا"، و "لطمأنة القرّاء والمكتبيّين" الذّين دافعوا عنه.
ياسمينة خضرة فضّل أنّ يصبّ غضبه على الكاتب مغربيّ الأصول فرنسيّ الجنسيّة والهوى ويستثني الدوائر والمؤسّسات التي تصغي إليه، ولعلّه، وهو الكاتب النّبيه، لم يفهم رسالة قديمة لشيخ الروائيين الجزائريين محمد ديب، أكدّ فيها فيما يشبه الوصيّة أنّ "العالم واسعٌ خلف جدران باريس" وأنّ على كتّاب المغرب العربيّ الذين ينشدون المجد في هذا البلد أن يعلموا بأنّهم يصنّفون بعد الخادمات البرتغاليات في السلّم الفرنسيّ.
ورغم ما في شكوى خضرة من "مذلّة" إلا أنّ مشكلته تحيل إلى مشاكل سابقة  لكتّاب جزائريّين مع هذا الكاتب الذي يتمتّع حقاً بنفوذ في الدوائر الثقافيّة الباريسيّة، بداية من رشيد بوجدرة، الذي اتهم علنًا صديقه السّابق بالرضّوخ للمساومة و كتابة روايات إكزوتيكيّة تحت الطّلب، ومرورا بكمال داود الذي صوّت بن جلون ضدّه في لجنة جائزة غونكور، واعترف في حديث مع كاتبٍ جزائري أنّه صوّت ضدّه وسيصوّت ضده ثانيّة لو أُعيد التّصويت، وانتهاءً بخضرة الذي يشتكي من "المحاصرة".
و قبل ذلك فضّل بن جلون أن يدعّم مواقف المخزن من الجزائر، متجاوزًا التقاليد التي دأب عليها الكتاب الكبّار في المغرب العربي القائمة على عدم الانخراط والخوض في المشاكل السيّاسيّة بين البلدين والتسامي على الخلافات، و تفوّق صاحب "ليلة القدر" في هذا الاختصاص على منشّطي الحملات الإعلاميّة وبعض وزراء الخارجيّة.
حسنًا، لقد اختار بن جلون مجراه وقبل بالشّرط الفرنسيّ الذي يُلزم طاعة المؤسّسة الكولونياليّة، وكذلك فعل كتّابٌ جزائريّون قايضوا المجد الأدبيّ والإعلاميّ بجلد الذّات وشتم الأصول، فلماذا نطلب من هذا الكاتب أن يتغيّر في شيخوخته السعيدة؟ ثم أليس من السذاجة أن ننتظر التقدير من بلدٍ جعل من اللّغة والثقافة أدوات هيمنة؟ وهل تخفى على كاتبٍ عالميّ، حساسيّة العلاقة بين الجزائر وفرنسا وتعقيداتها التي تؤكّد بمرور السنوات أنّ نار الحرب التي لم تنطفئ  تمامًا، ويمكن رصد علاماتها  في عدم استلطاف "الجزائري" حتى و إن كان أحسن لاعبٍ أو أعظم كاتبٍ، واستهدافه مباشرة أو عن طريق جنود "الفيلق الأجنبي" !
ملاحظة
 يتطلّب الشّفاء من "المرض الفرنسيّ" الكفّ عن التفاعل مع "النظرة الفرنسيّة" أو محاولة تغييرها، وعدم اعتمادها كمعيار في تقييم الذات، لأنّ العالم واسعٌ، حقًا، خلف جدران باريس.
سليم بوفنداسة

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى