سليم بوفنداسة

استعادت الحياة الثقافيّة الحرارة التي افتقدتها لأكثر من سنة، بمعرضٍ للكتاب ومهرجانٍ للمسرح المحترف وأنشطة أخرى مُعلنة.
وقد تكون هذه الفرصة مناسبةً لطرحِ أسئلةٍ عن الدّور والجدوى والقيمة والاحتراف، حتى نخرج من النمطيّة التي ميّزت العمل الثقافيّ في بلادنا لعقودٍ طويلةٍ تحوّلت فيها المهرجانات إلى تمظهرات طقسيّة.
ومن المُجحف تحميل مسؤولية هذا الوضع لوزارة وحدها، لأنّ الأمر يتعلّق بإستراتيجيّة تتبنّاها المجموعة الوطنيّة وتنخرطُ فيها، وباتساع مساحات الحريّة وبمدى استهلاك وتقبّل المجتمع لفنون مرتبطة بالمدنيّة الحديثة، ولا بدّ أن نعترف هنا بأنّنا نعاني من ردّة في هذا المجال نتيجة التخلي عن الصّناعة السينمائيّة وصناعة الكتاب وتراجع الاهتمام بالفنون والآداب في المنظومة التعليميّة وفي وسائل الإعلام، وليست معاداة الفنون والسخريّة منها ونزعات التّحريم والمحاكمات الأخلاقانيّة سوى ترجمة لهذا التراجع.
ويمكن تلمّس آثار إهمال البعد الفنيّ والثقافيّ في حياتنا، في سلوكات أجيال جديدة، تفتقر إلى لغة وتجنح إلى ردود الأفعال العنيفة ولا تحترم الفضاء العام وتتسلى بالهلوسة.
لذلك نحتاج إلى إعطاء مكانة للقراءة والنشاطات الفنيّة في العمليّة التعليمية وإلى ربط الإنتاج والنشاط الثقافيّ مع متطلّبات العصر وما يقتضيه من توفير محتوى رقمي يعكس ثراء الثقافة الوطنيّة ويلبي حاجة المتلقي الجديد الذي تخدمه، في كسله، شبكات التواصل الاجتماعي، عوض الإنفاق على هياكل بائسة تشتغل بآليات تجاوزها الزّمن. لأن الاكتفاء بإبداء المخاوف من سطو الآخرين على تراثنا أو استقطابهم لشبابنا واستغلالهم يفتقد إلى الوجاهة ويعبّر عن حالة عجزٍ.
ومن الضروري، هنا، دعم الدولة لناشري الكتاب الحقيقيين الذين ينشرون كتباً تراعى فيها المعايير العلميّة والأدبيّة واللّغويّة، وتشجيع الاستثمار في قطاع الثقافة من خلال استحداث مؤسسات خاصّة في مجالات السينما والمسرح مع ضمان حريّة الإبداع وحمايتها، إذ لا يمكن أن تحمل الدولة أعباء الثقافة إلى الأبد، بكل ما يعنيه ذلك من إنفاقٍ وطمعٍ في الريع يفسد الطّبع وبيروقراطيّةٍ ورقابةٍ.
ويجب التأكيد، هنا، على أنّ الأمر يتعلّق بمسألة حيويّة، لا يمكن التقليل من شأنها أو الاستخفاف بها علناً، كما كان يفعل بعض المسؤولين، لأنّ بناء الإنسان يسبق بناء الأوطان والخراب الذي يصيب هذا يلحق بذاك.

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى