تحوّلت وسائل التواصل الاجتماعيّ إلى «مشكلة» في طريق الممارسة الديمقراطيّة في الدوّل الموصوفة بالديمقراطيّة، وليس الجدل الذي صاحب الرئاسيات الأمريكيّة سوى حلقة في نقاشٍ طويلٍ عرفه الغربُ منذ انفجار هذه الشبكات وتحوّلها إلى وحشٍ شرع في التهام الميديا الكلاسيكيّة وإخضاعها إلى منطقه القائم على التوزيع الواسع وفق لوغاريتمات بات الرّاغبون في الانتشار يتوسّلون مفاتيحها على حساب المضمون وعلى حساب القواعد والأخلاقيّات في كثيرٍ من الأحيان.
حيث انساق الإعلاميّون والسّاسة وصنّاع القرار إلى المنطق الريّاضي الجديد الذي يوفّر سهولة في الاتصال ويخدم «البارانويا» بما يمنحه من شعورٍ بقدرة التأثير.
وإذا كان حرمان الرئيس الأمريكي السابق من النّشر عبر حساباته، قد أثار الجدل حول حدود الحريّة التي تمنحها هذه الوسائل، فإنّه ترجم مخاوف دارسين ومفكرين من تهديم شبكات التواصل لأسس الديمقراطيّة، على اعتبار أنّ الأصوات المتطرّفة والشعبويّة هي التي تحظى بأكبر نسبة متابعة، فضلاً عن كونها تنسف مبادئ التمثيل وتعيد تعريف الديمقراطيّة نفسها.
وقد أعطت الجائحة ملمحاً عن مستقبل الحياة نفسها وليس الديمقراطيّة فحسب، حيث ستُلعب كلّها (الحياة) على شاشة تمكّن من التسوّق والدراسة والتطبّب، وفق تدبير يسهر عليه جنود ذكاء اصطناعي يعيشون في الخفاء ويتوجّهون نحو استلام  إدارة العالم دون حاجة إلى دخول انتخابات.
وإذا ما أضيف الاستخدام المشؤوم للتكنولوجيات الجديدة في الصّدام الذي بدأ حقاً بين الولايات المتحدّة والصين، فإن الملمح سيتضح بشكل أكبر.
و يكمن الفرق بيننا وبين الدول المتقدّمة، في التفكير الذي يُثار هناك حول «التحوّل» الذي سوف يختزل كلّ الجهد الذي راكمته الإنسانيّة في «تطبيقات»، بكل ما يعنيه ذلك من تغيير في الاقتصاد وأنماط العيش وحتى في فيزيونوميّة الإنسان المدعو إلى محاكاة جدّه الأول! ويؤكد ذلك أن الذّكاء الاصطناعي لم يقتل الفلسفة بعد، وأنّ هناك في العالم من ينبّه إلى خطر تنميط الإنسان و تجريده من العقل لحساب رأسمالية متوحّشة حوّلت كوكبنا الصّغير إلى سوقٍ.
لذلك نحتاج في رقعتنا إلى أصوات عقل تقرأ لنا ما يحدث، لنخرج من التلميحات والشكوى من المؤامرات، لأنّ النّازلة نزلت فعلاً، ويمكن تلمّس أثارها في هتاف مواطنين بحياة مرشّح ابن عمّه أو تهليلهم لجلّادٍ سابق يقدّم لهم كلّ مساء روايته للعالم عبر مواقع التواصل!
سليم بوفنداسة

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    • سوط

      تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن جماعات شيطانيّة تتحكّم في المصائر، وتؤكد أنّها لم تكن بالضرورة مجانبة للصواب، شأنها في ذلك شأن الخطابات التي تسفّه القيّم الغربيّة وتُسقط عنها...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى