تدفع الخبراتُ التي راكمها الإنسانُ منذُ خروجه من الغابة واستبداله القفز بالمشي وتنظيم عيشه في تجمّعات، إلى إبداء مشاعر استياءٍ من مظاهر العُدوان.
لذلك، تسقطُ حُجج الغاضبين على المُتعاطفين مع الضّحايا الفلسطينيّين التي لا يستلطفُ أصحابُها الشّوائب الدينيّة أو العرقيّة التي "تُفسد" التعاطف.
قد نفهمُ صرخةَ فيلسوفِ عصره وأوانه برنار هنري ليفي الذي اعتبر التّضامن مع الفلسطينيّين معاداةً للساميّة وعودةً للحقد المكبوت على اليهود، قد نفهمُ تحميله مسؤوليّة ما يحدث لحماس ووصفه لتدمير غزّة بالردّ المشروع على اعتداءٍ من خارج الحدود، كما قال في حوارٍ تلفزيونيّ لام فيه سكّان حيّ الشيخ جراح على عدم الاحتكام إلى العدالة الإسرائيليّة التي لا يُظلم عندها أحدٌ.
قد نفهمُ رفض الفيلسوف ذاته الفصلَ بين الفلسفة و"الجيوبوليتيك"، واعتباره المؤامرات السيّاسيّة التي يُدير بها أشرارُ العالمِ العلاقات الدوليّة فلسفةً و حقّ التدخّل الذي استخدم كذريعة في احتلال دوّل عربيّة، حاصل تطوّر حضاريّ يجعل من حماية الشّعوب التي تُعاني من الدكتاتوريّة حتميّة.
قد نفهم موقفاً كهذا من فيلسوف لا يخفي صهيونيّته، ولا يتردّد في القيّام بدبلوماسيّة الحرب في مناطق الأزمات خدمة لأجندات لم تعد خافيّة على أحدٍ. لكنّنا لن نجد تفسيراً لمواقف قريبة من مُوقفه يلوم أصحابها الضحيّة والمتعاطفين معها، حين تصدر، عن محسوبين على النّخب يقيمون في السّاحل الجنوبي للمتوسّط، استغلّوا المأساة لنشر صوّرهم الشخصيّة ومزاحمة ضحايا القصفِ في بطولةٍ كان يفترضُ أن تُفرد لهم حصراً، لوجاهة فعل الموت وشدّته مقارنة بالرأي، وبغضّ النّظر عن أناقة صاحبه و تموضع أصابعه في لحظة التأمّل الفارقة التي سبقت إصدار تعاليمه للضّحايا حول الطريقة المثلى للموت من غير سوءٍ أو شبهةٍ، أو تحذيره للاعب كرة من خطر التعاطف غير المحسوب الذي قد يؤثر على مسيرته وضرورة تغييره لبوصلة اهتمامه، لاعتقاده، مثلاً، بأنّ محرز "لا يفكّر" ويعوزه الذكاء.
وإذا كان عدم إبداء الموقف حريّة شخصيّة فلماذا يحاول البعض حرمان الآخرين من الحريّة ذاتها عند التعبير عن مواقفهم؟
ثمّة خطاب مركزيّة غربية يُقصي فئة واسعة من سكّان كوكبنا من دائرة الإنسانيّة ويزّين أفعال صنّاع القرار من السّاسة و سُرّاق ثروات الشعوب، كان على المتأمّل أن يفكّكه بل وينتقده أو يتجنّب التماهي معه على الأقلّ.
و إذا كان كثير من تجار الأفكار في الغرب يخدمون استراتيجيات هيمنة لا تسقط الدين من اللّعبة، فأيّ استراتيجيّة ينخرطُ فيها المتأمّل الجنوبيّ المهموم بقيّاس نسبة الدين في صرخة المقاومة؟
نتمنى أن تكون ثمرة الموقف أغلى من وعود كاذبة بالمجد و دعواتٍ إلى معارض الكتب التي يُشرف عليها "يهود المغرب العربي" في الضّفة الشماليّة.
سليم بوفنداسة

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    • سوط

      تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن جماعات شيطانيّة تتحكّم في المصائر، وتؤكد أنّها لم تكن بالضرورة مجانبة للصواب، شأنها في ذلك شأن الخطابات التي تسفّه القيّم الغربيّة وتُسقط عنها...

    • عن الوحشيّة عموما وعن الغرب بالخصوص

      قد تبدو الكلماتُ تعيسةً أمام الأهوال التي تحدثُ، وقد يبدو كلّ موقفٍ لا يغيّر الحال مجرّد انفعال بلا أثر، أمام الجدران التي أقامتها وسائل الإعلام الغربيّة ووسائل إعلام عربيّة مُتصهينة، حاولت اختزال ما يحدثُ في ردّة  فعل على اعتداء لمنع...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى