يكشفُ رفض الامتثال لإجراءات الوقاية، عن ثقافة مجتمعٍ يخترعُ رواياته الموازيّة للظواهر بناء على طبيعة مُشكّكة تميلُ إلى تكذيبِ ما تتلقاه من القنوات الرسميّة ويندفع أصحابُها نحو تفسيرات تُصاغ في "مخابر اجتماعيّة" بعجينة غير صالحة للاستهلاك لكنّها تلقى الإقبال، تماماً كما تلك البيتزا طيّبة الذّكر التي تُعدّ بطماطم فاسدة ويتهافت عليها الزّبائن!
يمكنُ تفسير الظاهرة بخيبة من خطبٍ سيّاسيّة على مدار عقودٍ رسمت الجنّة للمجتمع وقادته إلى النّار، لكنّ النّزعة الانتحاريّة المصاحبة لحالة الرّفض تدعو إلى الحفر أعمق في الذات الوطنيّة.
و إذا كان انتشار الجائحة قد كشف عن تهوّر قاتلٍ للجزائريين، بإنكار الفيروس أولاً، ثم رفض إجراءات الوقاية بعد ذلك و العزوف عن التّلقيح في نهاية المطاف، إلا أنّه يمكن رصد النّزعة الانتحاريّة في تصرفات أخرى كطريقة قيّادة المركبات والسّباحة في البحر والسّدود والتجمّعات المائيّة وفي طُرق الاستهلاك.
وهي سلوكات يُفترض أن تدفع لطرح أسئلة، دون خجلٍ، عن الصّعوبات التي نواجهُها في حياتنا اليوميّة وعلاقة ذلك بتنشئتنا وتأهيلنا و صحّتنا النفسيّة والعقليّة.
وبغضّ النظر عن مشاكل الحكامة وتدبير الشأن العامّ التي لا يمكن إنكارها، إلا أنّ ثمّة معضلات ثقافيّة يجب الوقوف عندها ونحن نتلمّس المخارج من أزمةٍ انتهت إليها الدولة الوطنيّة، فالتمرّد على النّظم والقوانين، قد يخفي وجها مخيفاً وغير ثوريّ بالضرورة، بل قد يكون مؤشراً على صعوبةٍ في التكيّف مع الحياة التي تقترحها الحضارة الحديثة، والانضباط والتضحيّة اللذين يتطلّبهما العيشُ المشترك، ما يجعل من طرح تأهيل الأفراد والمجتمع مسألة راهنة.
فالاندفاع نحو الموت، يعني بكلّ بساطة سوء تقدير الحياة وعدم امتلاك القدرة على إنتاج التصرّفات التي تحافظ عليها، نتيجة تنشئة خاطئة تجعلك ترتكز على دوافع بدائيّة تتميّز بالأنانية
و العماء الذي يدفع إلى إنكار الخطر، كأن تلقي بنفسك في البحر المضطرب وأنت لا تُحسن السّباحة لتُثبت بَسالةً ما لمتفرجين مُفترضين، وكذلك يفعلُ "سبّاحون" في مختلف شواطئ الحياة وبركها ومستنقعاتها، ويمكن رصد هذا الأسلوب في السّباحة حتى في خطابات بعض الفئات المحسوبة على النّخب و"الناشطون" في مهنٍ مؤثرة تدفعهم الرّغبة في نيل استلطاف المتفرجين إلى الجهرِ بأنّهم نسخٌ فريدة وغير قابلة للتكرار في مجرّتنا.
لكلّ ذلك نحتاج إلى غرس ميكانيزمات تأهيل الأفراد للعيش بسلامة في نظم التعليم، إذ لا جدوى من معارف لا تُعلّمك كيف تسير في الحياة القليلة من دون أن تُؤذي أو تتأذى.
سليم بوفنداسة

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى