شكّلت حياة "سيلين"، الذي عُثـر على مخطوطاته المسروقة أخيراً، درساً للكتّاب الفرنسيّين أصلاً أو انتساباً، إلى درجة أنّ استجداء اللّوبي الذي قهر كاتبَ "سفر إلى أقاصي الليل" تحوّل إلى لازمةٍ  و كلمة سرّ بين طالبي المجد في بلد "الحريّات"، ويكفي دليلاً على ذلك أنّ دار نشر تخرّج منها كتّاب نوبل لا تستطيع نشر كتبٍ لكاتبٍ من كتّابها من دون هوامش تُسفّهه، وتُذكّر جمهور القرّاء الجديد بأنّه كان يُعادي الساميّة.
 و واضحٌ أنّ العثور على المخطوطات التي سُرقت من "سيلين" في منتصف أربعينيات القرن الماضي و إنّ سلّط الأضواء مجدّدا على أحد أكبر كتّاب فرنسا، إلا أنّه لم يبعث النقّاش حول الحيف الذي لحقه والازدراء الذي عُومل به بعد السّجن والمنفى إلى غاية موته مهملاً ومنسياً، لسببٍ بسيطٍ، هو أنّ السيف الذي سُلّط على سيلين لا يزال مسلطاً على كلّ من يشكّك في رواية المحرقة، بل وفي الروايات التّالية لها أو ينتقد الممارسات التي تقوم بها الدولة الدينيّة المتطرّفة التي تمّ استنباتها على الأرض الفلسطينيّة.
و يحيط غموض بملف المخطوطات، بعدما تبيّن أن النّاقد المسرحي جان بيير تيبودا كان يخفيها بعد أن تحصّل عليها سنة 2006 وفاءً لوعدٍ قطعه مع "حاملها" بعدم إظهارها حتى تموت أرملة سيلين، التي مدّدت عمرها إلى السّنة السّابعة بعد المئة!
وتجد اليوم  في الصّحافة الفرنسيّة، وبعد ستين سنة من وفاة الكاتب، من يستغربُ صدق قصّة سرقة المخطوطات بدعوى أنّ صاحبها كان دائم الشكوى وأنّ "رواياته" للوقائع غير دقيقة وتشوبها اختلاقاتٌ و أكاذيبٌ، بل أنّ تبرئة الذمة بهجاء الكاتب كثيراً ما تسبق كلّ إشارة إلى أهميّته.
نعم، إلى هذا الحدّ يتحكّم اللّوبي اليهودي في الحياة الإعلاميّة والثقافيّة وحتى السياسيّة الفرنسيّة، بدليل أنّ رئيس الوزراء اشترط قبل نحو سنتين على دار غاليمار، وضع هوامش على مؤلفات سيلين التي أعلنت عن نشرها.
لكلّ ذلك ولغير ذلك، تبدو دروس الحريّة التي يقدّمها "أصدقاؤنا" هناك مفتقدة للنزاهة والمصداقيّة. أما ظهور نصوص سيلين فستمنحه حياةً ثانيّة سيُكمل فيها تسديد الدين وتصفيّة الحساب مع الذين يكتمون أنفاس دوّل تدّعي أنّها تصدّر الحريّة  للعالم.
سليم بوفنداسة

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى