يستطيعُ المثقّف فرض سُلطته الرمزيّة بقيمة مُنجزه وبنزاهته واستقامته في التعاطي مع الشأن العامّ والقضايا الإنسانيّة، بغضّ النّظر عن مدى تجاوب الجماهير والسُّلطات السيّاسيّة مع مواقفه.
لذلك يحتاجُ  حاملو هذه الصّفة إلى القطيعة مع ميراث الفكر الاشتراكي في نُسخه السيّئة، الذي جعل منهم مجرّد موظفين منخرطين في مشاريع سيّاسيّة، أو منتظرين على الرصّيف في وضعيّة تسوّل مكانةٍ أو اعترافٍ.
و تقتضي القطيعةُ الاجتهاد المستمرّ الذي يجعل مُنتج الأفكار والجمال في غنى عن العالمين، أي لديه ما يقدّمه في غابة السّوق من إنتاجٍ أو مهارةٍ تُبقي الحاجة إليه قائمةً، في عالمٍ سريع التغيّر ويتطلّب "تحديثاً" انتبه إليه التجار ولم ينتبه المثقفون الذين استمروا في الشكوى وطلب الاهتمام والعون.
ويمكن تفسير هذه الظاهرة بضعفٍ في التكوين أو محدوديّة في التعليم، من دون إصدار أحكامٍ قاسيّةٍ على من اجتهدوا ولم ينتبهوا إلى ما يفعله الزّمن في الأشياء والأفكار واللّغة والنّاس!
قد لا تستقيمُ المقارنات بين مجتمعنا ومجتمعات في الجوار المتوسطي، لفارق في المعارف، يجعل الإقبال على الأفكار و الإنتاجٍ الأدبي والفني كبيراً هناك ومثيراً للشّجن هنا، لكنّها تفتحُ الأعينَ على ما يمكن أن يفعله مثقّفٌ حتى وإن كان ملعوناً، في صورة "إريك زمّور" الذي يُربك فرنسا هذه الأيام، بل وتحوّل إلى رقمٍ صعبٍ في المعادلة السياسيّة، وما كان ليُحدث ما أحدثه لو لم تكن كتبه تُباع بمئات الآلاف من النّسخ وأفكاره تجد الرّواج وتدخلاته في وسائل الإعلام تحصدُ ملايين المتابعات.
و بغضّ النّظر عن سوءِ المثال المقدّم في ميزان القيمة، إلا أنه ينبّه إلى ما يمكن أن يفعله مثقّف إن هو عمل على حفر مكانة بالاعتماد على أدواته الخاصّة.
والأمثلة كثيرة في الحالة الجزائرية، سواء في الفترة الاستعمارية أو في فترة الاستقلال القصيرة، حيث انتزع مثقفون ومبدعون سلطة رمزيّة، رغم أنّ جمهور المتعلّمين لم يكن بالعدد الذي هو عليه اليوم.
ملاحظة
يُنصح خلال "التّحيين" بالوفاء إلى ما كان عليه المُحيّن قبل تحيِينه، أي الإبقاء  على الجوهر والخطّ العام للمواقف، وتجنّب الانتقال من النّقيض إلى النّقيض، بعد التقاعد، مثلاً، أو بعد الخروج القسري من الجنّة!
سليم بوفنداسة

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى