تكشفُ عدوانيّة النّخب السيّاسيّة الفرنسيّة تجاه الجزائر عن "عودة المكبوت" التاريخي إلى ساحة الشّعور في هذا البلد الذي أصبح التطرّف فيه من أسباب  النّجاح السيّاسي، إن لم يكن السّبب الأوّل.
 وتعدّ الكلمات التي قالها ماكرون عدواناً رمزياً يُسوّي رغبة غير محقّقة في القيّام باعتداء حقيقيّ، أي  رغبة في تكرار العدوان الذي يبعث مشاعر القوّة خلال "الطّقس" الانتخابي أو في لحظات الانتكاسة التي تتطلّب استدعاء قوّة أو اختلاقها لمعالجة الصّدمة، كأن يحتاج إلى القول بأنّ الاستعمار هو الذي أنجب الجزائر، في اللّحظة التي تخرجه فيها الولايات المتحدّة من دائرة الكبار.
تنكرُ "النيوكولونيالية" استقلال الجزائر كما تنكر استقلال غيرها من الدول وتبني سياستها على هذا الإنكار، لذلك يبحث الرئيس الفرنسيّ عن "حَرْكى جُدد" لاستخدامهم عند الحاجة أو يذكّرنا بين الحين والحين بذكريات الهيمنة في مسعى للإبقاء عليها.
ولأنّ فرنسا ترفض العلاج المشترك، فليس أمامنا سوى مُعالجة أنفسنا بأنفسنا، ويقتضي التّطبيب الذاتيّ تفكيك أدوات الهيمنة والتخلّص منها، بداية من مصالحةٍ مع الذّات تُعيد الاعتبار للثقافة الجزائريّة بمختلف مكوّناتها ومرورا باستكمال بناء الدولة الوطنيّة على قواعد سليمة تجنبّها الهزّات، بتكريس ديمقراطية حقيقية تتساوى فيها الفرصُ بين الجزائريين و تُبعث الرّغبة في العمل والنّجاح وجدوى العيش بين الأفراد، كما يستدعي العلاجُ القطيعةَ مع الإرث اليعقوبي الذي سمّم الإدارة لعشرات السّنين باستحداث أنماط تسيير محليّة أو جزأرة أساليب أنجلوساكسونية أو آسياوية، وقبل ذلك إنهاء "الحظوة" التي تتمتّع بها اللّغة الفرنسيّة في النظام التعليمي، وفي المخيال المريض الذي يُسند لها التفوّق ويسفّه بقيّة اللّغات وطنيّة كانت أم أجنبيّة، بما في ذلك لغة العصر التي يرى غلاة الفرنكوفونيّة في بلادنا أنّ مطلب تدريسها "أصوليّ" من ابتداع الإسلاميين الذين يريدون إباحة التعدّد في اللّغات كما أباحوه في الزّوجات!
هذا "المخيال المريض" يعمل على إدامة الفكر الاستعماري الذي يمنحُ التفوّق للغة المستعمر السابق حتى وإن كان مضمونها متواضعاً، يحدثُ ذلك في الأدب و في الصّحافة وفي دواليب الإدارة، حيث يُعاد إنتاج الاضطهاد عبر آلية تقمّص المعتدي.
ملاحظـــــة
لن تكفّ فرنسا عن إيذائنا حتى ننساها ونمضي في العالم من دونها!
سليم بوفنداسة

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى