تزحف بعض الطّقوس ذات الخلفيّة البدائية على فضاءات علميّة يفترض أنّها تخضع لقواعد خاصّة لا تأخذ التقاليد الاجتماعية بعين الاعتبار.

يمكن رصد ذلك خلال مناقشة رسائل التخرّج في الجامعات التي تستدعي طقوس الأعراس وفي ملتقيات علميّة باتت أقرب ما تكون إلى المهرجانات السيّاسيّة، حيث تتصدّرها كلمات مسؤولين ويحضرها مسؤولون محليون لا علاقة لهم بالجامعة ولا بموضوع الملتقى، ويمكن رصد الظاهرة في كلمات الثّناء والمُجاملات و التكريمات المتكرّرة، في استنساخٍ لتظاهرات تحدث في دور الثقافة و البلديات..
 والغريب أنّ "الاحتفاء" بشخصيّات علميّة يتمُّ بنفس الهالة الطقسيّة، حيث يُعامل الضيف الزائر كشيخٍ أو وليّ صالح تجري الإشادة به وبمساره وعبقريّته وينسى "المحتفلون"  في غمرة نشوتهم الاستفادة من المحتفى به سواء في الإشراف على بحوث أو تأطير باحثين أو حتى تقديم  مساهمة علميّة تفيد الطلبة.
لقد حوّلت بعض الممارسات الجامعة إلى مؤسسة عاديّة يضيع فيها وقتٌ ثمينٌ في كلماتٍ بروتوكوليّة ومجاملة مسؤولين وتكريمات تتنافى مع طبيعتها، كفضاءٍ للعلم يجري فيه كلّ شيء بحسبان، لذلك تحتاج إلى إعادة توجيه، بل إلى ثورة من أجل القطيعة مع ترسّبات مراحل سيّاسيّة تسبّبت في الأزمة متعدّدة الأوجه التي انتهينا إليها.
وذلك من خلال توجيه المقدرات الماديّة والجهد البشري نحو البحث العلمي الحقيقي وتجنب تبديدها في التجمّعات التي تبدأ في المدرجات وتنتهي في المطاعم الفخمة والتي ترتفع وتيرتها بشكل ملحوظ في أشهرٍ معدودة من السّنة لأسبابٍ باتت معروفة.
وإذا كان المختصّون في الدراسات الأنثـربولوجيّة يعرفون كيف يتسرّب الطقس البدائي أو الأصلي إلى كلّ تجمع بشري، فإن المجتمع العلمي مطالب بتحديد أهدافه وضبطها، والتي لا تكون من بينها بكل تأكيد مظاهر الفروسيّة وإثارة الإعجاب و الامتثال وإظهار الانضباط أو تكرار
كلمات ومصطلحات مسؤولين، أي أن يحمي الممارسة العلميّة من "الشّطحات" التي يجود بها اللاوعي الجمعي عند الاسترخاء أمام العادات الاجتماعية و تنزيلاتها في حقل السيّاسة، وكان يفترضُ أن تضع الجامعة  قواعد سير حياة المجتمع ومساعدته على حلّ المشكلات وتجاوز العثـرات وتسند صنّاع القرار ببحوث علميّة مختبرة وليس بمجاراة خطاباتهم.
ملاحظة
ربما تحتاج جامعاتنا إلى صرامةٍ علميّة تعادل صرامة الحراس الذين تضعهم على بواباتها! 
سليم بوفنداسة

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى