تُنبّهنا "كارولين" في خروجها من الافتراض إلى الواقع، إلى "واقعٍ جديدٍ" بدأ يتشكّل في حياتنا بنواميسه التي قد تبدو غريبة لكنّها تقدّم مؤشراتٍ صادقة على الوعي واللاّوعي الجمعيّ، أيضاً.

لم تكن كارولين فنّانة من النّوع الذي يُثير الحشود، بل مجرّد امرأة عاديّة اكتشفت قبل سنواتٍ قليلة أنّ مواقع التواصل يمكن أن تكون مصدراً للأموال، وفق ما اعترفت به في تصريح لقناة تلفزيونيّة جزائريّة خاصّة، فشرعت في سرد حياتها العاديّة على "البنات" الجزائريّات، وقد يكون في قصّة هجرتها إلى بلد اسكندينافي ما يُثير الفضول، لكنّ أن يبلغ الأمر إلى حدّ التجمهر لاستقبالها في المطار أو ملاحقتها إلى الفنادق والمطاعم، فإنّ ذلك يستدعي فتح الأعين على ما يمكن أن يبلغه "مُؤثّرون" مجهولون من دون مستوى تعليميّ، ليس في  الاستقطاب فقط ولكن في القيّادة والتوجيه، وفق ما يمكن الوقوف عليه  في  طريقة مخاطبة "المؤثّرة" ذاتها لأتباعها ومعاملتها لهم كأطفالٍ غير راشدين، مثلما نستشفه من فيديو لها بعد واقعة الفندق العاصميّ، حيث دعت الجماهير القادمة للتبرّك والتمسّح بها إلى دفع ثمن وجبة الغذاء في الموعد المقبل أو الاكتفاء بمقابلتها، وفي الفيديو ذاته نلاحظ أنّها تتحدّث من سريرها ومصوّرها مُقعٍ عند قدميها (يُسمع صوته ولا يُرى) ليقوم بإغلاق هاتفها حين تستسلم للنّوم على المباشر بعد يوم شاقّ قضته في استقبال المعجبين والمعجبات!
ولا يقعُ اللّوم هنا على كارولين، ولا ضرورة للوم أحد على الإطلاق، لكنّ "الوقائع الغريبة لعودة كارولين إلى الوطن"، تستدعي طرح أسئلةٍ عن واقعٍ غير معالجٍ إعلامياً وغير مدروس سوسيولوجيا، أسئلة من نوع: ما الذي يدفع ستينيّة جزائريّة إلى ملاحقة شابّة مهاجرة تطرح فيديوهات لا تعنيها على منصّة تواصل؟ وما الذي يدفع شابة في مقتبل العمر إلى التماهي مع ممرضة تقول كلاماً عاديا إن لم نقل تافها؟
يمكن العثور على الجواب عند تحليل ردود الأفعال الواسعة على معلّق رياضي "تعيس"، هو عصام الشوالي الذي استفزّ الجماهير الجزائريّة ، في نفس الفترة، بحثاً عن التفاعل بعد أن خانته اللّغة والمعارف الرياضيّة الضروريّة لممارسة فنّ التعليق.
وجواب هذا وذاك اسمه "الفراغ" و الافتقاد إلى المحتوى الإعلامي والترفيهي والثقافي الذي يستقطب الجماهير سواء عبر الوسائل التقليديّة كالتلفزيونات والإذاعات أو عبر المنصّات الجديدة، أمر تفطن إليه إعلاميّون و"يوتبرز" أجانب باتوا يستهدفون الجمهور الجزائري بالاستفزاز أو الامتداح لرفع نسب المشاهدة.

سليم بوفنداسة

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى