فجّرت منافسةُ كأس العرب مخزوناً من الكراهيّة بين من يصفون أنفسهم بالأشقّاء، وفق ما يمكن رصده في مواقع التّواصل الاجتماعيّ وفي بلاتوهات التلفزيونات التي تضيّع في مناسبات من هذا النّوع الضّوابط المهنيّة والقواعد الأخلاقيّة.

وبدا واضحا أنّ المواجهة الكرويّة الظاهرة تُخفي حرباً مُستترة تهدف إلى إشباع  الرّغبة في النيل من الآخر على المستوى الرّمزي خدمةً لأوهامِ التفوّق، لذلك لم يتقبّل خاسرون الخسارة الرياضيّة واستدعوا الشّتيمة للتّعويضِ عن الإخفاقِ.
وتحوّل صحافيّون و معلّقون إلى غربان بحثاً عن "التفاعل" وتأديّةً، على ما يبدو، لمهمّة مأجورة تتمثّل في هجاء البلد "المُمانع" الذي يحمل لاعبوه راية فلسطين في وقتٍ ارتفعت فيه المزيد من رايات "الكيان" في عواصم عربيّة تحتمي أنظمتها بقتلة الأطفال من شعوبها ومن تقلّبات التاريخ.
وحتى و إن كانت كرة القدم محاكاة رمزيّة للحروب بين الأمم، فإنّ ما راكمته الإنسانيّة من قيّم جعل منها مسرحاً للفرجة وفرصةً للتقارب في تبارٍ يتعانقُ فيه الغالب والمغلوب في البلاد السعيدة، لكنّ الأمر يختلف في البلدان منقوصة السعادة التي قد تكون المنافسات الكروية المناسبة الوحيدة فيها  لتحصيلِ السعادة، وقد يفسّر ذلك التراشق على منصّات التواصل، رغم النقاط المُضيئة في هذه المنافسة التي لم ينجح فرسان الكراهيّة في إطفائها، حيث نُلاحظ مثلاً، أنّ الجزائريين والمصريين استفادوا من الدّرس القديم القاسي واكتشفوا فضائل الاعتدال والمحبّة وترجموه إلى مشاعر إيجابيّة في وسائل الإعلام ووسائل التّواصل، والتجربة قد تُفيد فيما تفيد "فقهاء البلاط" الذين لا يخجلون من الجهر بتفضيلهم للكيان على الجزائر، فضلاً عن المظاهر الحضارية التي أظهرتها الجماهير المتواجدة في البلد المنظّم، وهي جماهير نخبويّة لا يُقاس عليها.
وبالطّبع فإن "الشّتيمة" في مثل هذه الحال تسيء لقائلها وتعود عليه، تماماً كما تعود عليه آثار محاولة شحنِ مناسبة بهيجة بالكراهيّة خدمة لأغراض تصبّ نتائجها في خدمة توجهات جيوسياسية يستفيدُ من مخرجاتها  الاستعمار الجديد والضيف الثقيل الذي يسعى البعض إلى زراعته.
حسناً، لقد أعطت الكرةُ المثالَ: يحدثُ النّجاح بالعمل الصّادق وليس بالكلام.
سليم بوفنداسة

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى