لم يتعب النّاشطون في الحقل الثقافيّ من تكرار نفس الأفعال لعشرات السّنين، بنفس الطّرق وفي القاعات الفارغة ذاتها وبنفس الأشخاص في كثير من الأحيان. وربما تكرّرت الجُمل ذاتها والمجاملات ذاتها والنّصوص ذاتها والنّكت ذاتها.

كأنّ الزمن الثقافيّ متوقّف و كأنّ "النّشاط" طقسٌ غير قابلٍ للتعديل، رغم العواصف التكنولوجيّة التي أعادت النظر في الأذواق والاهتمامات.
أمسيّاتٌ ومُلتقياتٌ و تكريمات و ألقابٌ تُخلع هنا وهناك، وقصائد تُلقى على الغائبين في مشاهد حزينة، ربما يمكن تفسيرها في استمرار تدفّق الرّيع بعنوان الرعاية الثقافيّة، من دون حاجة إلى اجتهادٍ يُعاد بموجبه تعريف النّشاط الثقافيّ المناسب لعصرنا وطرح أسئلة "الجدوى".
موظّفون دائمون ومتطوّعون مأجورون يُشرفون على تكرار ما لا أثر له في الحياة أو في جسد الثقافة، وجهد يضيع وأموالٌ تُصرف في قطاع يفترضُ أنّه على صلةٍ بالأفكار والجمال والذكاء والإبداع، ولو بحثت عن المحتوى الثقافيّ الوطنيّ أو عن روّاد الفنون والآداب أو عن كنوز الجزائر في الفضاء الالكتروني فلن تجد إلا ما رصده هواةٌ من باب الحبّ غير المأجور.
و لو سألت أين نجح الكتّاب والفنّانون النّاجحون، سيكون الجواب واضحاً، يحيل إلى أنّ المناخ المذكور أعلاه لا يُوفر أسباب النّجاح إن لم يكن يناصب النّجاح العداء رغم ما يرصد من لوجيستيك ومرافق وأموال.
لكلّ ذلك نحتاج إلى مراجعات عميقة لسياستنا الثقافيّة ولمفهوم النشاط الثقافيّ حمايةً لوجودنا وحفاظاً على إرثٍ يحتاج إلى أن يبعث في الأبديّة الزرقاء، لأنّه عنواننا الحقيقي وهويتنا التي تتنازعها الريّاح، وذلك بتوجيه المقدرات نحو الأفعال ذات القيمة والأثر، كصناعة الكتاب والصّناعة السينمائيّة، ويراعي الدّعم هنا معايير الجودة في المقام الأوّل، وبدفع المؤسسات الثقافيّة نحو الإنتاج الرقمي الذي يُتيحُ فضاء مرئياً للثقافة الوطنيّة يخرجها من النسيان، ولا يتطلّب الأمر سوى تعديل أساليب العمل والخروج من حالة الكسل التي تشجّع على تكرار ما تمّ القيّام بالطرق ذاتها  وبنفس الأشخاص المحصّنين ضدّ الضّجر و الذين تفوق طاقاتهم المتجدّدة مواهبهم، فتبقيهم قيد الإنشاد في القاعات الفارغة .

سليم بوفنداسة

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى