يُرسل رفضُ الالتزام بإجراءات الوقاية من الوباء في الفضاء العام  إشارات  عن حالة  تحتاج المعالجة، خصوصاً حين يتوسّع هذا الفضاء ليشمل جامعات ومؤسسات مُنتجة للمعارف، وحين تُضاف إلى ذلك مظاهر رفض العلاج وإنكار الوباء والخوف من اللّقاح فإنّ الصورة تكتمل، وتنبّه إلى وضعيّة معقدّة يتطلّب فكُّ خيوطها عدم إهمال معطيات ثقافيّة ونفسيّة.

يعتبر المختصّون في الطبّ العقليّ والنفسيّ "الرّفض" من أساليبِ إثباتِ الذّات التي تبدأ في مراحل مبكّرة من العمر، يمكن الوقوف عليها في تعنّت الطّفل في بدايات تكوين شخصيّته، هذا التشخيص قابل للإسقاط على رافضي ارتداء "الكمامة" للبرهان بطريقة غير واعيّة على شجاعة لا يتهيّب صاحبُها أمام الموت في ثقافة تجود بالتقدير والثّناء على ذوي النّزعات الانتحاريّة!
فرفض التباعد والوقاية و إبداء عدم الاكتراث بالوباء، هي رسائلٌ مُلغمة بمواد نرجسيّة و هستيريّة ينشدُ مرسلوها بطولة ما وهي، في نهاية المطاف، تعبيرٌ عن هشاشةٍ نفسيّةٍ لا يقلّ خطرها عن الخطر الذي يسبّبه عدم الإقبال على التلقيح.
ويبدو التّشخيص النفسي هنا، ضرورياً، قبل عمليّات التحسيس، لأنّه يوفر قاعدةً صحيحةً لبناء استراتيجيات العلاج والوقاية ويقدّم معطيات صادقة تبرزُ الأولويات في المعركة ضدّ الوباء الظاهر والأوبئة الكامنة التي يقتضي علاجُها غرسَ ثقافةٍ جديدة تحدثُ القطيعة مع المفاهيم الخطرة للبطولة وتصالحُ الإنسان مع الحياة الجديرة بأن تُعاش  وتشيع أساليب الحفاظ عليها، وتواجه خطاب الموت الذي يضعف المناعة الاجتماعيّة والفرديّة، ولا بأس من إعادة تعريف الأشياء على ضوء هذه القاعدة في منظومة التعليم وتقديم نماذج جديدة للنجاح يعيشُ فيها بطل القصّة التي لا مبرّر في حبكتها لموته.
لقد أصبح "رفض العلاج" من الكلاسيكيات التي واجهها الطب النفسيّ، وتم وضع أساليب لمعالجة الرّفض باعتباره من مظاهر المرض، يمكن الاستئناس بها في حالات كحالة الوباء، ما يعني أنّنا في حاجةٍ إلى عملٍ كبيرٍ يقوم به النفسانيون على المستوى الميداني  وعلى مستوى الخطاب العام، لأنّ خطاب الأطباء والعلماء على وجاهته، قد يتعثّـر خارج مجتمعات المعرفة التي يفضّلُ أفرادُها، في  كثير من الأحيان، الشّرب من منابع مسمومة.

سليم بوفنداسة

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى