لم تستخلص الإنسانيّة الدروس من الحروب طيلة تاريخها الدموي، ولم تكن فترات السّلم سوى هدنة تُستغلّ تحضيرا لحربٍ مُحتملة، و لم تنل الحضارات المُتعاقبة من وحشيّة الإنسان، و لم تهذبه النظّم الاجتماعيّة التي استبدلت "الصراع" بالتشريعات ووضعت أطر العيش المشترك، فحوّل الدوّل والتكتّلات إلى قبائل واخترع الدبلوماسيّة كبديل للغزو والإغارة، يستخدمها الأقوياء لأكل قوت الضّعفاء من دون عناء.

هكذا ارتسمت بروتوكولات العيش منذ الصّياد الأول إلى الجنود الإلكترونيّين الذين يخفون الدّمار الشّامل في ذاكرة أصابعهم. تكشف حالات الحرب عن الطّبع الحقيقيّ للإنسان  وعن موت العقل أمام الاندفاع البدائي ويُترجم ذلك تحوّل فلاسفة إلى مُحرّضين على القتل في بلاتوهات الاستعراض التلفزيوني، حيث تُختزل الحماقة الإنسانيّة في كلمات، وحيث تجري صيّاغة سرديات سريعة ومُزيّفة للواقع وحيث يمّرر التّمييز بين البشر في طوفان من الأخبار التي تبشّر بكارثة وتخدم استراتيجيات بعينها، كما تفعل هذه الأيام  صحافة الحلف الأطلسي بكلّ اللّغات(بما فيها العربيّة)، ومن المفارقة أن تجد سيّاسيا حكيماً في صورة دومينيك دوفيليبان ينبّه فيلسوفاً متهورا كبرنار هنري ليفي في أوج دعوته لمواجهة عالميّة مع روسيا، إلى أنّ غزو العراق كان خطأ، أيضا، وكذلك كان غزو ليبيا التي رافق الفيلسوف ثوّارها في خنادقهم بالقميص الأبيض الذي لا يتلوّث مهما كان حجم الغبار، وبالقلب الأسود غير القابل للنقاء مهما كان حجم الألم.
نعم، كل حربٍ مأساة وكلّ قتلٍ جريمةٍ، لكنّ التّمييز بين الضحايا وبين الحروب  يكشف عن خللٍ ومشكلة في الوعي الإنساني وعن طُغيان فلسفة القوّة التي يحاول منتجوها تحويل مخرجاتها لأمر واقع لا تجوز مناقشته، ويصل صداها إلى الضحايا أنفسهم الذين أصبحوا يردّدون خطاب قتلتهم بطريقة غير واعيّة، وتجد بينهم من يشتم في مواقع التواصل الاجتماعي ومنتديات الكلام المجّاني، كل من يستدعي ضحايا الجنوب وحروب الجنوب إلى ساحة المقارنة وكلّ من ينتقد استغلال التظاهرات الرياضية لترويج شعارات "الناتو" الذي وجد أخيرا من يقول له: كفى!   
وحتى وإن كانت الرّجاحة تقتضي عدم الانحيّاز إلى الحروب جميعها، فإنّ الحماقة تتجسّد في فقهاء التحليل الذين ينسبون نشر الحريّة والديمقراطيّة للحلف الأطلسي بمناسبة معركة سيخسر فيها هيمنته على العالم!

سليم بوفنداسة

    • استدعاء المُؤسّسين

      يستمرّ روّاد الأدب الجزائري من خلال إتاحة نصوصهم للأجيال الجديدة من القرّاء، عبر المنصّات الالكترونيّة أو في طبعاتٍ مدعومة تكون في متناول الطلبة والتلاميذ. فليس من العدل أن تختفي روايات الآباء المؤسّسين أو تظهر في طبعاتٍ...

    • صناعةُ الرّمز وهدمه

      لم تتأثّر مكانة الرّموز الفنيّة والأدبيّة في المجتمعات الموصوفة بالاستهلاكيّة، بالانفجار الكبير في تقنيّات التّواصل، ولم تُغفل في زحمة الأخبار المطلوبة جماهيريا ولم تسقط من اهتمامات صنّاع الرأي العام من صحفٍ رصينة وقنواتٍ...

    • تيـــه

      باتت الآداب والفنون تُعاني من مشكلاتٍ في التلقي تجعلها محلّ محاسبةٍ بأدوات الواقع أو بأدوات التاريخ والدين والأخلاق. فيُساءل كاتب الرواية عن سلوكِ أبطاله ومخرجُ الفيلم عن عدم مُطابقة قصّته الخياليّة للوقائع الشّائعة، وأخطر من...

    • الانتشار ضدّ القيمة

      تمنحُ المنصّات الالكترونيّة فضاءً جديدًا للأدب يقرّبه من جمهورٍ لم يكن من هواة الكتب بالضرورة، لكنّها تحرّره، بالمقابل، من قواعد الكتابة وشروطها الفنيّة، فتنسفُ التقاليد التي راكمتها السلالاتُ الكاتبة على مرّ الأزمنة، بل وتستهدف "القيمة" حين...

    • أيام الحروب العاديّة

      حوّل مُفترسو عصرنا الحروبَ إلى أحداث عاديّة، لا تجلب الاهتمام سوى في أيامها الأولى، ثم تُختزل فيما بعد في عدد القتلى الذي تتضارب بشأنه البيانات. وربما ستصبح نشرات الطّقس، أهمّ من نشرات أخبار الحروب، في زمن التطرّف المناخي الذي...

    • قوّة ناعمة

        سليم بوفنداسة تعيشُ مدنٌ و بلدانٌ حياةً ثانيّة في الأدب، برعايةِ خيالٍ عارفٍ يجعلها أبديّة وغير قابلة للسّقوط، لأنّها سكنت الذاكرة الجمعيّة عبر تأريخٍ موازٍ يمنحها الحصانة أمام تقلّبات الدهر وأمام الأفول الذي يصيب الحضارات بشرًا...

    • مُخترعُ العزلةُ

        أصاب السّرطان أحد أكبر كتّاب الرواية، وهو بعدُ في السّادسة والسبعين بملامح فتوّة أبديّة وبمتواليّة من الفانتزيات منحت الأدب المكانة والشّغف في زمن المرئيات، وقدّمت أبناء إمبراطوريّة العصر ككائنات هشّة في معارضةٍ بديعةٍ للصّورة...

    • عالم لا تُُُحتمل نعومتُه !

      نجحت نساءُ العالم في تقويض قرون من سُلطة الذكورة بنضالٍ مريرٍ، وتُترجم ذلك المكانة التي انتزعتها المرأة سواء باحتلالها مراكز قياديّة أو بإبداعاتها وحتى في فرض تشريعات تصون حقوقها وتحميها من "عدوان" الذّكر الغالب.  بل إنّ عالم...

    • يكتبُ الشّعر أيضًا!

      يجيبُ على جميع الأسئلة في مختلف المجالات، كأولئك الذين نصادفهم يوميا في كلّ مكان فيبادرون إلى إخبارنا بأحوال العالم مع تعليلاتهم الخاصّة، مع فارق في الدقة، هو خاصيّته الجينيّة باعتباره كائنًا ذكيًا ينحدر من شجرة "الأتمتة"...

    • حديث الكرامة

      وجهت إفريقيا رسائل إلى العالم يُفهم منها أنّ القارة المُستباحة لم تعد  "سهلة المنال"، سواء بالنّسبة للنّاهبين القدامى الذين يعيشون على "ريع" الإمبراطوريات، أو النّاهبين الجُدد الذين يقترحون مشاريع مُضحكة على بلدان القارة، تتمثّل في...

    << < 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 > >> (28)
الرجوع إلى الأعلى