يواجه الأفرادُ في المجتمعاتِ الأبويّة صعوبةً في الخروج عن الأنساق المرسومة سلفاً، بشكل يُعيقهم عن الإبداع ويحرمُ المجتمعات نفسها من التطوّر الطبيعيّ.

و يمكنُ أن يقف الدارسُ بسهولة على انتشار "الخلايا الأبويّة" في أجسام مؤسّسات حديثة كالجامعات، على سبيل المثال، حيث تُحكم عشائر وعائلات سيطرتها و تسود مُجاملات في الفضاءات العمليّة كالملتقيات ومناقشة الرسائل وتنقسم "النّخب" بين شيوخٍ ومُريدين.
 وهكذا تتحوّل مؤسسات مُنتجة للمعرفة، يفترض أنّها تضع قواعد النّقاش الرّصين وتدرّب مرتاديها على تقبّل المختلف، إلى نسخٍ من المؤسّسة الاجتماعيّة التقليديّة التي تحتكم إلى روابط الدم والجغرافيا والولاء، أي تُعيد إنتاج البنية الأبوية بنفس الميكانيكا التي تشتغلُ داخل المجتمع.
و إذا كانت هيئة حديثة تتحرّك على سكّة قديمة فإنّنا، بكل بساطة، أمام التعريف  الدقيق للمأزق، فالمجتمع المدعو إلى التطوّر لا يتطوّر تلقائيا ويحتاج في انتقاله إلى قطائع وصدمات ورجّات وتأهيل تقوم به نخبة تنتمي إلى هذا العصر، وليس النّخبة الظّاهرة في المشهد، النّخبة السلفيّة التي تعرّف المستقبل بالماضي ويعاني أفرادُها من "ساندروم النبوّة" الذي يدفع المُصاب إلى تبني القول الفصل في كلّ مسألة والاحتماء بالخطاب الديني أو الوطني بدل تقديم الحُجج و مواجهة المختلف بخطاب العنف و الإسراف في الحديث عن الذات وتقديم السيرة العطرة كنموذج وعدم تقبّل النّقد ( وقد رأينا مؤخرا كيف تعرّض ناقد للشّتم على مواقع التواصل الاجتماعيّ بطريقة تجاوزت الوقاحة من فنّانين لأنّه نشر في كراس الثقافة قراءة في مسرحيّة عُرضت على المسرح الوطني).
ويكفي لتشخيص ضحايا "الساندروم" الاطلاع على منشورات على مواقع التواصل أو الاستماع إلى حوارات يعيد فيها الضّيف الكريم سرد تاريخ النبوّة بضمير المتكلّم.
يؤجّر الشيخ الغابر جسد المثقّف المعاصر، فينتج عن هذا التزاوج خطابٌ مستبدٌّ لا يقبل الاختلاف يلتفّ حوله مريدون طلباً لمزية أو خوفاً من بطش. هكذا يُصنع الباتريارك المعاصر في مختلف الحقول لتعزيز البنية الكلاسيكية المذكورة وإطالة عمرها وعرقلة التطوّر والتحديث.
ويقتضي إخراج الشيخ القديم  من الجسد "المسكون" مراجعة نظام التعليم  من الجامعة إلى الروضة لأنّ إعادة إنتاج "النّمط" تبدأ هناك.

سليم بوفنداسة

    • قوّة ناعمة

        سليم بوفنداسة تعيشُ مدنٌ و بلدانٌ حياةً ثانيّة في الأدب، برعايةِ خيالٍ عارفٍ يجعلها أبديّة وغير قابلة للسّقوط، لأنّها سكنت الذاكرة الجمعيّة عبر تأريخٍ موازٍ يمنحها الحصانة أمام تقلّبات الدهر وأمام الأفول الذي يصيب الحضارات بشرًا...

    • مُخترعُ العزلةُ

        أصاب السّرطان أحد أكبر كتّاب الرواية، وهو بعدُ في السّادسة والسبعين بملامح فتوّة أبديّة وبمتواليّة من الفانتزيات منحت الأدب المكانة والشّغف في زمن المرئيات، وقدّمت أبناء إمبراطوريّة العصر ككائنات هشّة في معارضةٍ بديعةٍ للصّورة...

    • عالم لا تُُُحتمل نعومتُه !

      نجحت نساءُ العالم في تقويض قرون من سُلطة الذكورة بنضالٍ مريرٍ، وتُترجم ذلك المكانة التي انتزعتها المرأة سواء باحتلالها مراكز قياديّة أو بإبداعاتها وحتى في فرض تشريعات تصون حقوقها وتحميها من "عدوان" الذّكر الغالب.  بل إنّ عالم...

    • يكتبُ الشّعر أيضًا!

      يجيبُ على جميع الأسئلة في مختلف المجالات، كأولئك الذين نصادفهم يوميا في كلّ مكان فيبادرون إلى إخبارنا بأحوال العالم مع تعليلاتهم الخاصّة، مع فارق في الدقة، هو خاصيّته الجينيّة باعتباره كائنًا ذكيًا ينحدر من شجرة "الأتمتة"...

    • حديث الكرامة

      وجهت إفريقيا رسائل إلى العالم يُفهم منها أنّ القارة المُستباحة لم تعد  "سهلة المنال"، سواء بالنّسبة للنّاهبين القدامى الذين يعيشون على "ريع" الإمبراطوريات، أو النّاهبين الجُدد الذين يقترحون مشاريع مُضحكة على بلدان القارة، تتمثّل في...

    • رُكــام

      أثار التعاطي الإنساني مع كارثة الزلزال التي ضربت تركيا وسوريا الجدل في الدول الغنيّة، التي كشفت ممارساتها أنّ السخاء الذي تُظهره في الإنفاق على الحروب، يتراجع أو يختفي حين يتعلّق الأمر بكوارث طبيعيّة يُفترض أن تتوقّف خلالها جميع...

    • عُُنف النّخبة

      سحبت وسائل التواصل الاجتماعي خطابات كثير من الوجوه المحسوبة على النّخب الثقافية والإعلاميّة إلى أرضها وأخضعتها لمنطقها بحسب ما يمكنُ معاينته من "عنفٍ" و "كراهيّةٍ" في النقاشات أو في إبداء الرأي وطرح الأفكار. حيث تدفع هذه...

    • سنـــد

      يقدّم مركز البحث في الأنثـروبولوجيا الاجتماعية والثقافية بوهران، نموذجًا لما يمكن أن تكون عليه المؤسّسة الجامعيّة، من حيث البحث واستقطاب الكفاءات  ودراسة الظواهر الطارئة و اقتراح الحلول العلميّة والتكيّف مع المعطيات الجديدة.وإذا كانت جامعة عاصمة...

    • اللّغة في سوق الضّرورة

      تحتمي اللّغةُ بالحاجة إليها، أي بوظيفتها، في عالم يشهد تسارعا في اختفاء اللّغات وفق الإحصائيات التي تقدّمها اليونيسكو. وإذا كانت حملات الاستعمار وراء النّكبات التي حلّت بكثيرٍ من اللّغات  في السّابق، فإنّ التحدي يختلفُ اليوم، ليس بسبب...

    • يُرى في الظلام

      اقترح موقعٌ فرنسي عناوين كتبٍ للقراءة عند انقطاع التيّار الكهربائي في هذا الشتاء البارد، كتبٌ تُقرأ على ضوء المواقد أو الشّموع، كما في سالف العصر والأوان حين كانت "الرواية" رفيقة شعوبٍ خارجة من الظلام. الاقتراحُ الطريف يدفع لطرح أسئلة...

    << < 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 > >> (28)
الرجوع إلى الأعلى