لا يستمتعُ الشّعراء باليوم العالمي للشّعر، كما تستمتعُ النّساء بيومهن، ولا ينالون العناية التي تنالها الأشجار في يومها، لأنّ حظّ الشعراء من الحبّ أقلّ من حظّ النّساء ومن حظّ الأشجار.

يبدو الشّاعر مهمومًا بما يحدثُ في العالم وفي الكوكب، لكنّ العالم لا يهتمّ بالشّاعر لأسبابٍ تخصّ الطرفين، ويصعب تحميل أحدهما مسؤوليّة الجفاء.
أول الأسباب تخصّ العصر الذي طوّر شاعريّته إلى فنونٍ بصريّةٍ سرقت بلاغات الفنون الأخرى وخطفت الجماهير، وأطلق اختراعات شيطانيّة مكّنت من الوصول إلى الجمل العصبيّة مباشرة من دون حاجةٍ إلى السّجع والقافيّة. و زاد على ذلك بتوفير المسارح الهستيريّة التي عوّضت المنابر التقليديّة التي كانت تتفتّق فيها العبقريات الشعريّة وتنفجر فيها البارانويا التي هي  جواب الشعراء على خفوت الانتباه،  وبتسهيل التواصل الذي أفرغ مخزونًا هائلًا من طاقة المكبوتات المدرّة للشّعر، حيث لم يعد وصلُ فاطم شاقًا أو يتطلّب إثبات براعةٍ لغويّة، فضلًا عن اختراع العصر لفرسانه من رياضيين وفنانين يحتكرون "النجوميّة" ويستأثرون بالشّغف كلّه.
 و آخر الأسباب تخصّ الشاعر نفسه (في لغتنا الجميلة) الذي لم يجد شفرات التّواصل مع عالم تغيّر بسرعة، في الوقت الذي كان مُنشغلا بصقل موهبته، فوجد صعوبة في التفرّس في الموجودات وفي وصفها في وضعها الجديد غير المنصوص عليه في نواميس الكتب الصفراء، مع ظهور بلاغةٍ جديدةٍ أفرزها "بوم" التواصل تختزلُ التعابير في أيقونات أطلقها فقهاءُ التكنولوجيا نكايةً في القواميس، أجل، إنّ عدد شعراء العربيّة الذين يقيمون في الماضي يفوق بكثير عدد الشعراء الذين يراقبون عصرهم، وساعد ذلك في فرض  مدوّنةٍ سلفيّةٍ على منظومات التعليم، ويكفي مُراجعة ما يُدرّس في المدارس والجامعات العربيّة للوقوفِ على حظّ الخلف في مأدبة السّلف.
وإذا أضفنا إلى اللّائحة صورة الشاعر في المخيال الاجتماعي، فإنّنا سننتهي إلى رسم بورتريه بائس لمهندس الخيال الذي يُشاغب باللّغة في مواجهة سلطان القسوة، فهل انتهى زمن الشعراء؟
سيكون الجواب: كلا!
فالشّعر و إن سرقت فنونُ العصرِ روحه، سيبقى ضروريا لمقاومة القبح الذي تجود به الحياة المعاصرة، ومقاومة الذكاء الصنّاعي أربابه على تحويل الإنسان إلى روبوت قليل التكلفة.

سليم بوفنداسة

    • سوط

      تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن جماعات شيطانيّة تتحكّم في المصائر، وتؤكد أنّها لم تكن بالضرورة مجانبة للصواب، شأنها في ذلك شأن الخطابات التي تسفّه القيّم الغربيّة وتُسقط عنها...

    • عن الوحشيّة عموما وعن الغرب بالخصوص

      قد تبدو الكلماتُ تعيسةً أمام الأهوال التي تحدثُ، وقد يبدو كلّ موقفٍ لا يغيّر الحال مجرّد انفعال بلا أثر، أمام الجدران التي أقامتها وسائل الإعلام الغربيّة ووسائل إعلام عربيّة مُتصهينة، حاولت اختزال ما يحدثُ في ردّة  فعل على اعتداء لمنع...

    • حريّةٌ مشروطة

      خضع كتّاب جزائريون لقواعد اللّعبة التي يضعها اللّوبي الصهيوني وتمتثلُ لها وسائل الإعلام الفرنسيّة في التعاطي مع ملف الحرب على غزّة. هذه الفئة من الكتّاب، تكتب بالفرنسيّة و تتوجّه بالأساس إلى الجمهور الفرنسي، وتنشد الجوائز...

    • نهاية خطاب الباطل

      ستسقطُ أشياءٌ كثيرة بعد هذه الحرب، وسيُعاد النّظر في كثيرٍ من المفاهيم التي تحوّلت إلى معتقدات لدى نخبٍ من "عالمنا" آمنت بالقيّم التي يدعيها الغرب و"نزّلتها" على واقعٍ له وضعيّته الخاصّة، وضعيّته المأساوية التي تسبّب فيها الغربُ بالذات بهوسه...

    • أعشابُ الخلود وفخاخه

      تلقى أمين معلوف ثالث أغلى هديّة من فرنسا بانتخابه على رأس أكاديميتها، بعد الانتساب لذات الهيئة التي تجمع "الخالدين" والفوز بالغونكور. وقد تكون جميع الهدايا مستحقّة بالنّسبة لكاتبٍ نال حبّ القرّاء في مختلف اللّغات في رواياته التي تستعين...

    • عباءة الجمهوريّة

      " ربما ستكون فرنسا في حالٍ أفضل لو ذهب المتمسّكون بالنمط الإسلامي فيها إلى بلدان إسلاميّة كما فعل بن زيمة"!هذا ما خلص إليه زعيم "الجبهة الوطنيّة" جوردان بارديلا، في معرض تعليقه على ارتداء كريم بن زيمة الزيّ السعودي في العيد...

    • حجاب

      لا تواكب الظواهر والتحوّلات الاجتماعيّة دراساتٌ بارزة، رغم توفر المادة في الحالة الجزائريّة، ورغم حاجة المجموعة الوطنيّة إلى تفسير "ما يحدث" بعيدًا عن المُعالجات السطحيّة  والاستنتاجات ذات الطابع السيّاسي التي سقط فيها حتى بعض...

    • نُدرة المُستهلك

      بات المعرضُ الدوليّ، فرصة حياةٍ للكتاب وصاحبه وناشره والماشي بينهما، لذلك يكاد الاهتمامُ بالكتاب يتوقّف عند هذه الفترة من السنة، ولا لوم على جميع المتدخّلين في هذا النّشاط المهدّد، ليس بسببِ غلاء الورق ولكن بسببِ ندرة...

    • لا تنظر إلى الشمال!

      أحيت الانقلابات التي عرفتها إفريقيا مؤخرًا، النّقاش حول الإرث الاستعماري، الفرنسيّ تحديدًا. و جرى ربطُ عدم الاستقرار السيّاسي والمشاكل الاقتصاديّة في هذه البلدان بهيمنة المستعمر القديم من خلال فرض نخبٍ مُواليّة تضمنُ استمرار...

    • درسٌ للمُبتدئين

      اختار ميلان كونديرا العُزلة كأسلوب في حياته التي بدأت صاخبةً، بقصّة انشقاقٍ مُعلن ومجدٍ خدمته السيّاسة من دون أن تفسد للأدب قضيّة.  الكاتبُ الذي توفي الأسبوع الماضي، أغلق الأبواب أمام الصّحافة والحياة العامة منذ منتصف ثمانينيات القرن...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى