يطرح السلوكُ المتكرّر لتلاميذ مع نهاية كلّ سنة دراسيّة أسئلة تتطلّب الإجابة عنها فحص المدرسة و حال التعليم، وليس "إخفاء" الظاهرة كما دعت إلى ذلك نقابات التربيّة.

فالتّمزيق العلني للكراريس وتخريب الأقسام ترجمة لا لُبس فيها لمشكلة في العمليّة التعليميّة والتربويّة، قد تتعدّد القراءات بشأنها لكنّها تبقى مُشكلة في نهاية المطاف، حتى وإن كانت محدودةً وأخذت البُعد الذي أخذته بسبب التداولِ الواسعِ على مواقع التواصل.
وما يجب التأكيد عليه أنّ الظاهرة ليست جديدة، فمنذ سنواتٍ ونحن نرى أوراق الكراريس وهي تتطاير في نفس التوقيت، ومنذ سنواتٍ والمتابعون للشأن التربوي ينبّهون إلى ظواهر طارئة نتيجة تغيّرات سوسيولوجية، كاهتزاز صورة المعلّم والأستاذ وحتى النظرة الاجتماعيّة للمتعلّم.
 وقد يكون ذلك نتيجة الزلزال الذي أحدثته طبقة جديدة ظهرت في مرحلة ما بعد الإرهاب، متمثلة في الأغنيّاء الجُدد الذين حصّلوا "المجد الاجتماعي" من دون حاجة إلى اجتهاد أو تعليم، من خلال مقاولاتيّة مُختلقة لتحصيل الريع أو من خلال نشاط في السوق الموازي، هذه الطّبقة ألهمت في صعودها فئات من المجتمع بمن فيهم رجال ونساء التربيّة أنفسهم، فتحولوا إلى ممارسة التعليم الموازي في المستودعات والشّقق على حساب مدرسة الجمهوريّة المجانيّة التي تخرجوا منها وعلى حساب المجموعة الوطنيّة، ما دامت الدولة ترصد مقدرات ضخمة لبناء المدارس في كلّ حيّ وتوظيف عدد هائل من المستخدمين.
و هكذا أصبح الأستاذُ حامل القيّم مجرّد تاجرٍ غير شرعي يسرقُ التلميذ من المدرسة في مساومةٍ ستنال من صورته ومن قيمة "التعليم" الذي يمارسه على نفسين، في القسمِ وفي المستودعِ، مع أنّ التشريعات الوطنيّة تتيح فرص إنشاء مدارس خاصّة لمن أراد تحويل التعليم إلى نشاط ربحي.
ولا بدّ من النّظر من هذه الزاويّة لتحميل رجل التعليم الكثير من المسؤولية في التدهور الذي أصاب صورته، والتي لا يتحمّلها وحده بكل تأكيد، وفي هذا الضغط الذي يُصاحب التمدرس الذي تحوّل إلى كابوس بالنسبة لعددٍ كبير من الأولياء الذين يضطرون لتقاسم مداخيلهم مع الأساتذة، ضغط ينقله الآباء للأبناء، و قد يكون من بين العوامل التي تفسّر الاحتفال العنيف بموعد "التحرّر" المؤقت من المدرسة.

سليم بوفنداسة

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    • سوط

      تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن جماعات شيطانيّة تتحكّم في المصائر، وتؤكد أنّها لم تكن بالضرورة مجانبة للصواب، شأنها في ذلك شأن الخطابات التي تسفّه القيّم الغربيّة وتُسقط عنها...

    • عن الوحشيّة عموما وعن الغرب بالخصوص

      قد تبدو الكلماتُ تعيسةً أمام الأهوال التي تحدثُ، وقد يبدو كلّ موقفٍ لا يغيّر الحال مجرّد انفعال بلا أثر، أمام الجدران التي أقامتها وسائل الإعلام الغربيّة ووسائل إعلام عربيّة مُتصهينة، حاولت اختزال ما يحدثُ في ردّة  فعل على اعتداء لمنع...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى