يعاني تاريخُنا من "انتقائية" في الاهتمام تلقي بمراحل هامّة في دائرة الظلّ، ولا يعكس المحتوى التاريخي الرّقمي الثـراء الذي تتمتّع به الجزائر، وتجد بين الجزائريين من يكتشف مواقع أثرية - مثلا- من خلال  صوّر وفيديوهات مُؤثّرين وسيّاح. ولم ينعكس هذا  الثّـراء على الإنسان الذي قد "يرتبكُ" أمام أجنبي ويستعيرُ لسانَه، أو قد يعبّر عن انبهاره ببلدٍ أجنبيّ لا تاريخ له لكنّه يحسن تسويق بضاعته.

ثمة انقطاعات حدثت على فتراتٍ متباعدةٍ وعزلت الجزائريّ عن تاريخه، بسبب الحروب والاستعمار الذي عمل على محو الذاكرة واختراع سرديّة جديدة لتبرير وجوده، لكنّ ذلك لا يسقطُ تقصير المؤسّسات والنّخب ووسائل الإعلام ومنظومة التعليم في ترميم الذاكرة  ومصالحة الإنسان مع هوياته التي تنطقُ بها الشّواهد ويختزنها اللاوعي الجمعي الذي يستدعي تحريره مُعالجة صدمات الاستعمار وما بعده.
كما تسبّب تراجع الثقافة السياحيّة في عدم الانتباه إلى كتاب التاريخ المفتوح على هذه الرّبوع الشاسعة، فضلًا عن التوجهات الإعلاميّة التي جعلت الصحافة تركّز الاهتمام على السيّاسة والرياضة وتتناول بسطحيّة المسائل الأخرى، والنتيجة أنّنا نفتقر اليوم إلى "محتوى جزائري" في أثير الله الأزرق الذي تتبارى فيه المحتويات والثقافات.
تغيير الوضع يتطلّب انتهاج بيداغوجية جديدة وأساليب عمل ناجعة تتجنّب الفولكور وتُراعي القيمة، أولا وأخيرًا،  وتقطع مع الخطابيّة في الإنتاج الفني والإعلامي  وتكرّس التوجّه نحو التوثيق واستدعاء التاريخ إلى منصّات العصر بأدوات العصر وبالبراعة الضرورية التي تُديم العمل بمنحه القيمة التي يتطلّبها البقاء.
ولا يكفي اليوم أن نشتكي من خطر الحروب الجديدة التي تستهدف الإنسان من خلال برمجته وتجنيده في معارك يخوضها من دون أن يدري، بل يجب تحصين هذا الإنسان بمنحه نقاط الارتكاز الذاتيّة التي تجعله معتدا بهويته وثقافته لا يحتاج إلى تسوّل هويات أو انتحالها، وبإنتاج محتويات قابلة للاستهلاك، من جهة، وتعبّر عن ذات ساهمت بحجارتها في بناء الحضارات الإنسانيّة المتعاقبة وكان لها منجزها وانكساراتها التي لا تستدعي الخجل.
ولا يكفي اليوم أن تكون على حق وتنتصر له، في حضارة سوق  يحركّها فلاسفة الباطل وجنوده، بل يجب أن يكون لك ما تفعله وما تقول.

سليم بوفنداسة

    • الخروج من حُجرة الكتابة

      خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو الذي فضّل أن يختتم الرحلة في الحجرة ذاتها التي شهدت ميلاد أبطاله، تمامًا كبطله  العجوز "بلانك" المحتجز في غرفةٍ ليُحاسب على ما...

    • قطارُ الباطل

      سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على الجامعات ومراكز البحث، سواء من حيث الاستثمارات والشراكات أو التمويل والتبرّعات التي تهدف إلى الهيمنة والسيطرة على القرار، وهو ما...

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى