لم ينل كاتبٌ جزائريٌّ الحظّ الذي ناله كاتب ياسين من الاهتمام والدراسة وحتى الجدل الذي لا زال يشتعلُ بين الحين والحين بشأن مواقفه، رغم مرور سنواتٍ طويلة على رحيله. وقد مكّن بذلك الكتّاب الجزائريين من سلطة رمزيّة عكسها حضوره في الحياة العامّة، لكنّ ذلك لا يعني الانتشار الجماهيري لأدبه، وهو ما أدركه صديقه محمد ديب الذي دعا إلى الفصل بين أقوال كاتب وكتاباته، لأنّ ياسين الإنسان جمع في شخصه بين صفتي الملاك والصّعلوك، و نظرًا لسوء تلقي ما يصدر عن الفنان حين تطغى صفتُه الثانيّة، يستحسنُ وضع فاصلٍ بين النتاج الأدبي والمواقف، وربما التقت دعوة ديب مع نصيحة قيل أن بومدين أسداها لياسين في رسالة فحواها: اكتب واسكت!
و رغم العواصف التي أثارتها تصريحاته بشأن الهوية وبعض الخيارات السياسيّة يُحسبُ له أنّه ظل متمسكا بجزائريته وغير قابل للاستقطاب أو الإغراء كما يُحسب له أنّه لم يهادن المؤسّسة الكولونيالية قبل الاستقلال وبعده، رغم أنّه كتب بالفرنسيّة، وقد امتلك الشجاعة مبكرًا ليُعرّف الفرنسيين بالكاتب الجزائري، بإسقاط الصّفة عن المنتمين إلى "مدرسة الجزائر" وعلى رأسهم ألبير كامي، الذي عقد ياسين مقارنة مُذهلة بينه وبين وليام فولكنر الذي نجح في كتابة ملحمة الجنوب الأمريكي وهو ابن " كولون" في حين محا كامي الجزائريين من أدبه ولم يمنحهم الكلمة في نصوصه، بل وانحاز إلى السّلطة الاستعمارية حين جدّ الجد.
وكان يمكنُ أن ينبّه هذا الموقف بعض الكتّاب المتأخرين الذين كتبوا بالفرنسيّة وحاولوا خطب ودّ المؤسسة النيوكولونيالية، في ثورة مضادة منحتهم البريق لبعض الوقت وحوّلتهم إلى منتجي خطاب "عدائي" لا يمكن تبريره بعدم التأقلم مع المحيط الاجتماعي و مُعارضة النظام السياسي والتطلّع إلى الحرية، لأن بيع القلم واعتناق خطّ مانحي الجوائز والأمجاد السريعة، يتعارض مع مفهوم الحريّة ويتحوّل إلى "ولاء" بكلّ ما يظهره ويضمره من وجوهٍ قبيحة.
و الاعتراض على توجهات لن يكون، على الإطلاق، دافعًا لهجاء الاستقلال وتمجيد الاستعمار والتغني بفضله، كما يفعل "متأخرون" بلغ الأمر ببعضهم حدّ الانتصار لكيان عنصري وديني محتل في صورة الكيان الصهيوني الذي يستعمل أذرعه الناعمة في فرنسا، تحديدًا، لاستقطاب كتّابٍ وفنانين، في محاولة للتغطيّة على مأزقه الأخلاقي.
لقد بقيّ ياسين مشتعلًا، بإنتاجه القليل وصوته المرتفع، وانطفأ الطارئون بمجرّد ما رغب المخرج في تغيير ممثلي المسرحيّة.
سليم بوفنداسة
كاتبٌ جزائري
- التفاصيل
-
قوّة ناعمة
سليم بوفنداسة تعيشُ مدنٌ و بلدانٌ حياةً ثانيّة في الأدب، برعايةِ خيالٍ عارفٍ يجعلها أبديّة وغير قابلة للسّقوط، لأنّها سكنت الذاكرة الجمعيّة عبر تأريخٍ موازٍ يمنحها الحصانة أمام تقلّبات الدهر وأمام الأفول الذي يصيب الحضارات بشرًا...
مُخترعُ العزلةُ
أصاب السّرطان أحد أكبر كتّاب الرواية، وهو بعدُ في السّادسة والسبعين بملامح فتوّة أبديّة وبمتواليّة من الفانتزيات منحت الأدب المكانة والشّغف في زمن المرئيات، وقدّمت أبناء إمبراطوريّة العصر ككائنات هشّة في معارضةٍ بديعةٍ للصّورة...
عالم لا تُُُحتمل نعومتُه !
نجحت نساءُ العالم في تقويض قرون من سُلطة الذكورة بنضالٍ مريرٍ، وتُترجم ذلك المكانة التي انتزعتها المرأة سواء باحتلالها مراكز قياديّة أو بإبداعاتها وحتى في فرض تشريعات تصون حقوقها وتحميها من "عدوان" الذّكر الغالب. بل إنّ عالم...
يكتبُ الشّعر أيضًا!
يجيبُ على جميع الأسئلة في مختلف المجالات، كأولئك الذين نصادفهم يوميا في كلّ مكان فيبادرون إلى إخبارنا بأحوال العالم مع تعليلاتهم الخاصّة، مع فارق في الدقة، هو خاصيّته الجينيّة باعتباره كائنًا ذكيًا ينحدر من شجرة "الأتمتة"...
حديث الكرامة
وجهت إفريقيا رسائل إلى العالم يُفهم منها أنّ القارة المُستباحة لم تعد "سهلة المنال"، سواء بالنّسبة للنّاهبين القدامى الذين يعيشون على "ريع" الإمبراطوريات، أو النّاهبين الجُدد الذين يقترحون مشاريع مُضحكة على بلدان القارة، تتمثّل في...
رُكــام
أثار التعاطي الإنساني مع كارثة الزلزال التي ضربت تركيا وسوريا الجدل في الدول الغنيّة، التي كشفت ممارساتها أنّ السخاء الذي تُظهره في الإنفاق على الحروب، يتراجع أو يختفي حين يتعلّق الأمر بكوارث طبيعيّة يُفترض أن تتوقّف خلالها جميع...
عُُنف النّخبة
سحبت وسائل التواصل الاجتماعي خطابات كثير من الوجوه المحسوبة على النّخب الثقافية والإعلاميّة إلى أرضها وأخضعتها لمنطقها بحسب ما يمكنُ معاينته من "عنفٍ" و "كراهيّةٍ" في النقاشات أو في إبداء الرأي وطرح الأفكار. حيث تدفع هذه...
سنـــد
يقدّم مركز البحث في الأنثـروبولوجيا الاجتماعية والثقافية بوهران، نموذجًا لما يمكن أن تكون عليه المؤسّسة الجامعيّة، من حيث البحث واستقطاب الكفاءات ودراسة الظواهر الطارئة و اقتراح الحلول العلميّة والتكيّف مع المعطيات الجديدة.وإذا كانت جامعة عاصمة...
اللّغة في سوق الضّرورة
تحتمي اللّغةُ بالحاجة إليها، أي بوظيفتها، في عالم يشهد تسارعا في اختفاء اللّغات وفق الإحصائيات التي تقدّمها اليونيسكو. وإذا كانت حملات الاستعمار وراء النّكبات التي حلّت بكثيرٍ من اللّغات في السّابق، فإنّ التحدي يختلفُ اليوم، ليس بسبب...
يُرى في الظلام
اقترح موقعٌ فرنسي عناوين كتبٍ للقراءة عند انقطاع التيّار الكهربائي في هذا الشتاء البارد، كتبٌ تُقرأ على ضوء المواقد أو الشّموع، كما في سالف العصر والأوان حين كانت "الرواية" رفيقة شعوبٍ خارجة من الظلام. الاقتراحُ الطريف يدفع لطرح أسئلة...
<< < 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 > >> (28)