تحوّلت نهائيات كأس العالم الجاريّة في قطر إلى ميدانِ حربٍ رمزيّةٍ كشفت عن عنفٍ كامنٍ  في الحضارة الإنسانيّة الراهنة يتغذى على إرث من الصراعات، مدفوعًا برهاناتٍ سيّاسيّة واقتصاديّة أحاطت بتظاهرةٍ تجاوزت طابعها الرياضي.

وبلغ الأمرُ بأممٍ أوروبيّة معذّبة بتراجعِ أسهمِها على المسرحِ الكونيِّ، إلى استدعاء تاريخها الاستعماري والاستنجاد بقاموس عنصري لوصف البلد العربي "الصغير" الذي تجاسر على اللّعب في ساحة الكبار، ولم يكن ظهور مشجعين إنجليز في زي الجنود الصليبيين في قطر، سوى حلقة أخيرة في سلسلة من حملةٍ شنّتها وسائلُ إعلام غربيّة لم يتردّد بعض مُمثليها في التعبير عن  ازدراء ثقافة ودين مستضيف المونديال، مثلما فعل صحافي فرنسي  وهو يؤكد انزعاجه من كثـرة المساجد.
وقد تم استخدام "الذريعة الإنسانية" في هذه الحملة من خلال حديث مكثّف عن ظروف عمال مرافق كأس العالم، قبل أن يتم إخراج "علم الرينبو" لإحراج "المسلمين" الذين يرفضون الاعتراف بحقوق المثليين.
 و بلغت "المنازلة" أوجها حين استغلت وزيرة الداخلية الألمانية حصانتها الدبلوماسية لإخفاء الشارة التي مُنع قائد منتخب بلادها من ارتدائها قبل إظهارها في المدرجات، كما قام اللاعبون الألمان بالاحتجاج على ما اعتبروه قمعًا لحريّة التعبير من خلال وضع الأيدي على الأفواه عند أخذ الصوّر في مباراتهم الافتتاحيّة وهو ما ردّ عليه مناصرون عرب بحمل صوّر اللاعب الألماني مسعود أوزيل الذي تعرّض لمضايقات بسبب إسلامه ومناصرته للمسلمين.
وبالطبع فإن إسرائيل ستدعو نفسها إلى هذا المحفل من خلال مراسلين صحافيين ذهبوا للبرهان على "كراهيّة" العرب لهم، في مسعى يتقاطع مع المسعى الغربي للتأكيد على عدم جدارة العرب بتنظيم تظاهرة في قيمة كأس العالم.
وإذا كانت كرةُ القدم هي التعويض الرّمزي عن "الحروب المفقودة" بين الأممِ، فإنّ السّجال الحاصل يخفي حربًا أخرى في سوق الجدارة، لا يمكن إنكار طابعها الديني في ظل عودة الأصوليات والقوميات في الغرب قبل الشّرق، وتآكل القيّم التي كثيراً ما قُدمت كنموذج للإنسانيّة جمعاء، تحت ضغط المصالح الذي بعث النزعات الكولونياليّة وهوس التفوّق والسيطرة، وانتهى بحروب عبثيّة تحت عنوان التبشير بالديمقراطية، وربما كان توحّد أبطال الحروب ذاتها تحت راية قوس قزح ، أقسى تعبير عن مأزق حضاري!

سليم بوفنداسة

    • قوّة ناعمة

        سليم بوفنداسة تعيشُ مدنٌ و بلدانٌ حياةً ثانيّة في الأدب، برعايةِ خيالٍ عارفٍ يجعلها أبديّة وغير قابلة للسّقوط، لأنّها سكنت الذاكرة الجمعيّة عبر تأريخٍ موازٍ يمنحها الحصانة أمام تقلّبات الدهر وأمام الأفول الذي يصيب الحضارات بشرًا...

    • مُخترعُ العزلةُ

        أصاب السّرطان أحد أكبر كتّاب الرواية، وهو بعدُ في السّادسة والسبعين بملامح فتوّة أبديّة وبمتواليّة من الفانتزيات منحت الأدب المكانة والشّغف في زمن المرئيات، وقدّمت أبناء إمبراطوريّة العصر ككائنات هشّة في معارضةٍ بديعةٍ للصّورة...

    • عالم لا تُُُحتمل نعومتُه !

      نجحت نساءُ العالم في تقويض قرون من سُلطة الذكورة بنضالٍ مريرٍ، وتُترجم ذلك المكانة التي انتزعتها المرأة سواء باحتلالها مراكز قياديّة أو بإبداعاتها وحتى في فرض تشريعات تصون حقوقها وتحميها من "عدوان" الذّكر الغالب.  بل إنّ عالم...

    • يكتبُ الشّعر أيضًا!

      يجيبُ على جميع الأسئلة في مختلف المجالات، كأولئك الذين نصادفهم يوميا في كلّ مكان فيبادرون إلى إخبارنا بأحوال العالم مع تعليلاتهم الخاصّة، مع فارق في الدقة، هو خاصيّته الجينيّة باعتباره كائنًا ذكيًا ينحدر من شجرة "الأتمتة"...

    • حديث الكرامة

      وجهت إفريقيا رسائل إلى العالم يُفهم منها أنّ القارة المُستباحة لم تعد  "سهلة المنال"، سواء بالنّسبة للنّاهبين القدامى الذين يعيشون على "ريع" الإمبراطوريات، أو النّاهبين الجُدد الذين يقترحون مشاريع مُضحكة على بلدان القارة، تتمثّل في...

    • رُكــام

      أثار التعاطي الإنساني مع كارثة الزلزال التي ضربت تركيا وسوريا الجدل في الدول الغنيّة، التي كشفت ممارساتها أنّ السخاء الذي تُظهره في الإنفاق على الحروب، يتراجع أو يختفي حين يتعلّق الأمر بكوارث طبيعيّة يُفترض أن تتوقّف خلالها جميع...

    • عُُنف النّخبة

      سحبت وسائل التواصل الاجتماعي خطابات كثير من الوجوه المحسوبة على النّخب الثقافية والإعلاميّة إلى أرضها وأخضعتها لمنطقها بحسب ما يمكنُ معاينته من "عنفٍ" و "كراهيّةٍ" في النقاشات أو في إبداء الرأي وطرح الأفكار. حيث تدفع هذه...

    • سنـــد

      يقدّم مركز البحث في الأنثـروبولوجيا الاجتماعية والثقافية بوهران، نموذجًا لما يمكن أن تكون عليه المؤسّسة الجامعيّة، من حيث البحث واستقطاب الكفاءات  ودراسة الظواهر الطارئة و اقتراح الحلول العلميّة والتكيّف مع المعطيات الجديدة.وإذا كانت جامعة عاصمة...

    • اللّغة في سوق الضّرورة

      تحتمي اللّغةُ بالحاجة إليها، أي بوظيفتها، في عالم يشهد تسارعا في اختفاء اللّغات وفق الإحصائيات التي تقدّمها اليونيسكو. وإذا كانت حملات الاستعمار وراء النّكبات التي حلّت بكثيرٍ من اللّغات  في السّابق، فإنّ التحدي يختلفُ اليوم، ليس بسبب...

    • يُرى في الظلام

      اقترح موقعٌ فرنسي عناوين كتبٍ للقراءة عند انقطاع التيّار الكهربائي في هذا الشتاء البارد، كتبٌ تُقرأ على ضوء المواقد أو الشّموع، كما في سالف العصر والأوان حين كانت "الرواية" رفيقة شعوبٍ خارجة من الظلام. الاقتراحُ الطريف يدفع لطرح أسئلة...

    << < 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 > >> (28)
الرجوع إلى الأعلى