اقترح موقعٌ فرنسي عناوين كتبٍ للقراءة عند انقطاع التيّار الكهربائي في هذا الشتاء البارد، كتبٌ تُقرأ على ضوء المواقد أو الشّموع، كما في سالف العصر والأوان حين كانت "الرواية" رفيقة شعوبٍ خارجة من الظلام.

الاقتراحُ الطريف يدفع لطرح أسئلة حول ما فعلته الرفاهيّة بالإنسان، وكيف تُعيده الأزمات إلى عاداته المُجدية، كالقراءة التي ازدهرت في فترة كوفيد الطويلة، و يُراد لها أن تعود اليوم مع شحّ موارد الطاقة، الذي يدفع أصدقاءنا في الشمال إلى التقشّف في استخدام أدوات ومعدات الحداثة، ومرّة أخرى يخدم الوضع الكتاب، الذي يجب التأكيد، أنّه لم يفقد جمهوره "هناك"، و تكفي مراجعة أرقام المبيعات لنعرف أنّه حافظ على مكانته مع الانفجار التكنولوجي في مجتمعات المعرفة التي تتحصّن بالعلوم والمعارف وتتغذى على الآداب والفنون، مهما تغيّرت أحوالها.
وحتى و إن تراجع اهتمامها به فإنّها سوف تختلق الأسباب لتستعيده.
ولا ضرورة، بالمناسبة، لعقد المقارنات غير المجديّة، لأنّ الوضع عندنا يختلف، بداية من تعاطي "المكتوب"، كتابةً وقراءةً ومرورًا بصناعة الكتاب وتلقيه.
ويبدو هذا المخلوق الورقي (وشبحه الالكتروني)، قبل الغلاء، طارئًا  وغير ضروري، إلا ما اتصل منه بضرورات التحصيل، و غير مدرج في الأولويات ولا في لوائح الألفة، مع استثناء أهل اللّوعة الذين يمثّلون رقما ضئيلا في السّوق لا يضمن خبز الورّاقين.
يمكن تفسير الحالة على ضوء الوضعيّة التاريخية والحضاريّة للمجتمعات، مع أخذ أساليب التنشئة و ما يطرأ عليها في الحسبان، خصوصًا أمام ما تقترحه اليوم  فلسفة السوق القائمة على صناعة المستهلك الأعمى، مسخّرة في ذلك الأرواح الالكترونيّة التي نجحت إلى حدّ بعيد في تنميط الأفراد  من خلال رصد رغباتهم بغرض إشباعها وتوجيههم نحو الشّائع الذي يجري تدبيره برعاية كريمة من الذّكاء الصّناعي.
في غابة كهذه، تحتاج تنشئة الإنسان القارئ، إلى سياسات واستراتيجيات، قد يحجبها ضغط الأولويات، ولا يدفعها إلى الأمام سوى الإيمان بأن بناء الإنسان أولويّة غير قابلة للإغفال.
لقد أصاب الموقع أعلاه في الاقتراح، لأنّ التجارب التاريخيّة علّمتنا أن الحاجة إلى الكتاب تشتدّ كلّما غاب الضوء ونزل الظلام.

سليم بوفنداسة

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى