تحتمي اللّغةُ بالحاجة إليها، أي بوظيفتها، في عالم يشهد تسارعا في اختفاء اللّغات وفق الإحصائيات التي تقدّمها اليونيسكو.

وإذا كانت حملات الاستعمار وراء النّكبات التي حلّت بكثيرٍ من اللّغات  في السّابق، فإنّ التحدي يختلفُ اليوم، ليس بسبب الحُظوة التي منحتها العولمة للغات إمبراطوريات العصر فحسب، بل بفعل التغييرات التي فرضتها التكنولوجيا على منظومات الاتصال والتواصل والتي تجعلُ الأفرادَ يختارون لغتهم "حبًّا وطواعيّة" مُفرطين في "المصير المشترك"، الذي هو شعار أُممٍ تحاول جعل اللّغة بيتًا وعنوان إقامةٍ، بل  إن التكنولوجيا تكاد تعصف باللّغات السائدة وهي تفرض الرّمز بديلاً لا عناء في استخدامه.  
لذلك، لا تنفعُ حماسة أو خطب في صيّانة لُغةٍ أو دفعها إلى ألسنة المتخاطبين، كما يحدث في المناسبات السعيدة التي يُحتفى فيها بالعربيّة التي لا تبدو تعيسة إلى الحدّ الذي يروّج له المحبّون والخصوم.
ما تحتاج إليه هذه اللّغة هو دفعها نحو أصابع التائهين في الملكوت الأزرق، سواء عبر محتوى من آداب و تعابير ومعارف أو عبر إبداع تكنولوجي، أما الباقي من الحظ فإنّه مرتبطٌ بالمستوى الحضاري للناطقين بها و "الإغراءات" التي يقترحونها على أبناء الحضارة وغيرهم للإقبال عليها، مثلما يحدث مع اللّغات الكبيرة التي دفعتها القوّة الاقتصادية إلى الواجهة.
وتكشف المقارنة بين عدد الناطقين بالعربيّة و الإحصائيات المرتبطة بالقراءة  و أرقام سحب الكتب، مثلاً، عن مشكلة في  تعاطي "المكتوب" من هذه اللغة، الذي يبدو ضعيفًا أمام لغات تحتلّ مرتبة متأخرة في التصنيف، ما يعني أنّ العربية في الوقت الراهن مضطرة للعودة إلى خزائنها القديمة في معرض المباهاة و الارتكاز على المشافهات الضائعة بين الألسن المحليّة التي تستخدم الفصحى في طلب الدّرس كما تستخدم غيرها من اللّغات.  
وربما كان من الأجدر توجيه النّقاش نحو هذه المفاصل، عوض استدعاء المقدّس للبرهان على الجدوى، لأنّ مكانة اللّغة خاضعة للسلّم المفروض في هذا السوق الكبير الذي يجعل قيمة "الشيء" من مدى الحاجة إليه.

سليم بوفنداسة

    • الخروج من حُجرة الكتابة

      خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو الذي فضّل أن يختتم الرحلة في الحجرة ذاتها التي شهدت ميلاد أبطاله، تمامًا كبطله  العجوز "بلانك" المحتجز في غرفةٍ ليُحاسب على ما...

    • قطارُ الباطل

      سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على الجامعات ومراكز البحث، سواء من حيث الاستثمارات والشراكات أو التمويل والتبرّعات التي تهدف إلى الهيمنة والسيطرة على القرار، وهو ما...

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى