سحبت وسائل التواصل الاجتماعي خطابات كثير من الوجوه المحسوبة على النّخب الثقافية والإعلاميّة إلى أرضها وأخضعتها لمنطقها بحسب ما يمكنُ معاينته من "عنفٍ" و "كراهيّةٍ" في النقاشات أو في إبداء الرأي وطرح الأفكار.

حيث تدفع هذه الشّبكات المستخدم إلى التخفّف من الرصّانة، وفق نواميس تفرض الإسفاف شرطًا للانتشار، وتمارس نوعًا من الإغواء بدفع نماذج مُقترحة للتقمّص بعنوان الإقبال الجماهيري المترجم في تفاعلات بالإعجاب أو بالسّخط.
و قد استسلمت وسائلُ الإعلام للعبة مُكرهة، محاولةً التوفيق بين مُقتضيات المهنيّة وضرورات الانتشار، فبات مقدمو حصصٍ سياسيّة أو ثقافيّة جادّة في قنواتٍ تلفزيونيّةٍ عالميّةٍ، مثلاً، يستعينون بمهرّجين لإضحاك الجمهور وجميلاتٍ مثيراتٍ لاستبقائه أطول فترة مُمكنة، مع الاجتهاد في اختلاق ما "ينتشر" على الشّبكات بعد حين، لارتباط بقاء الحصّة وتمويلها و موعد بثّها بنسبِ المُشاهدة.
 واضطرت الصّحافة المكتوبة إلى الاستنجاد بالخطاب البصري للحفاظ على الجمهور المنصرف إلى غير القراءة و المُستهلك للمعلومة السّريعة المُعفاة من البراهين والأدلة، وصناعة محتوى يتماشى مع ما تطلبه السّوق الجديدة.
و إذا كانت هذه الوسائط قد وفّرت الفضاء الحرّ للكتّاب والصحافيين وأخرجتهم من القوالب والقيود الكلاسيكية للنّشر، فإنّها بالمقابل وضعتهم أمام تحدّ جديد يتمثّل في كيفيّة الحفاظ على المصداقيّة التي تقتضيها صفاتهم و وظائفهم في وضعيّة تواصليّة جديدة  يتعاملون فيها مع المتلقي من دون وسيط.
و هنا قد تحدث المفارقة، لأنّ هذا الفضاء الحرّ يفرض بالمقابل "ديكتاتوريّة المتلقي" الذي لا يتردّد في تحديد صفات بضاعته في تفاعلات تفرض خطّ سيرٍ على "الكاتب"  و توجّهه  نحو "المحمود" من المنشورات، حيث سيصبح ملزمًا بالرّقص على الإيقاعات المتوفرة.
هذا المدخل قد يُساعد على فهم سقطات كتّاب وصحافيين في مستنقع خطاب الكراهيّة والعنصريّة، وستتضح الصورة حين تُضاف الصّدمات والأمراض الاجتماعيّة الناجمة عن الظروف العصيبة التي مرّت بها البلاد والتي بلغ فيها العنف حدوده القصوى، وقد يكون "الخطاب العنيف" من بقايا تلك المرحلة التي تحتاج إلى معالجة، عبر عملٍ عميق يقضي على بذورها من خلال إشاعة فضائل الحوار  وتبني بيداغوجيّة  لاستيعاب الاختلاف، بيداغوجيّة تحتاج إليها النّخب العنيفة قبل عموم الجماهير.

سليم بوفنداسة

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    • سوط

      تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن جماعات شيطانيّة تتحكّم في المصائر، وتؤكد أنّها لم تكن بالضرورة مجانبة للصواب، شأنها في ذلك شأن الخطابات التي تسفّه القيّم الغربيّة وتُسقط عنها...

    • عن الوحشيّة عموما وعن الغرب بالخصوص

      قد تبدو الكلماتُ تعيسةً أمام الأهوال التي تحدثُ، وقد يبدو كلّ موقفٍ لا يغيّر الحال مجرّد انفعال بلا أثر، أمام الجدران التي أقامتها وسائل الإعلام الغربيّة ووسائل إعلام عربيّة مُتصهينة، حاولت اختزال ما يحدثُ في ردّة  فعل على اعتداء لمنع...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى