سليم بوفنداسة

تعيشُ مدنٌ و بلدانٌ حياةً ثانيّة في الأدب، برعايةِ خيالٍ عارفٍ يجعلها أبديّة وغير قابلة للسّقوط، لأنّها سكنت الذاكرة الجمعيّة عبر تأريخٍ موازٍ يمنحها الحصانة أمام تقلّبات الدهر وأمام الأفول الذي يصيب الحضارات بشرًا وأثرًا.
 وكان الأدب رافداً  من روافد السّرديات التي رافقت صعود الحضارات عبر التاريخ، لذلك انتبهت أممٌ إلى أدبها  واعتبرته من مصادر فخرها وقوّتها، حتى إنّ بعض القوى في عصرنا باتت تستدعي الأدب في لعبة الهيمنة عبر استقطاب نوابغه، لبناء مركزيّتها، وفق ما يمكن رصده في قصصِ الانشقاق الشهيرة في سنوات الحرب الباردة، وفي السيّاسات الكولونيالية والنيوكولونيالية التي تجعل من الأدب واسطة للسيطرة، سواء عبر لغة الكتابة من خلال استقطاب كتّاب الأمم المستهدفة، أو بإطلاق الجوائز وصناعة النّجوم.
   غيّر أنّ  ما يخدم المدن والكوسموبولوتيات وحتى المركزيّات هو الأدب الحقيقيّ، التلقائيّ، ويكفي دليلًا على ذلك ظهور نصوص كتّاب لم يكن لهم شأنٌ في حياتهم وتحوّلها إلى علامات وتحوّل كتّابها المجهولين إلى أيقونات، بل إنّ بعض اللّغات والبلدان أصبحت تُنسب إلى كتّابها.
الدور الذي يلعبه الأدب غير مخطّط له، لكنّ الأمم العظيمة تنظرُ عادةً إلى نفسها في مرآة الأدب، الذي تخصّه بتقدير يُحيل إلى قدرة في التعاطي مع الجمال موازاة مع تدبير شؤون العيش وحاجات الشعوب الآنيّة و الزائلة، لأنّ الحاجة إلى الأدب أكبر مما تظنّه النّخب المسيطرة في مجتمعات تقلّل من شأن الإبداع الفني والأدبي، لأن الأمر يتعلّق بإشعاع على الآخرين و بتحصين الذائقة وتدوين الخيال الجمعي الذي هو أثر الإنسان الذي لا يزول حين يزول العمران وعلامات القوّة التي يأتي عليها الزمن في دورانه اللانهائي.
لا يحتاجُ الأدبُ إلى منّة، لكنّ الانتباه إليه قراءةً وإقبالا وتقديرًا، يقدّم صورة صادقة عن وضعيّة المجتمعات على سلّم الحضارة، حدث ذلك في سالف العصر والأوان، ويحدثُ في المستقبل الذي تديره، حتمًا، روبوتات ذكيّة، لن تتأثر بأخلاق السّوق التي يعمل على تكريسها أقوياء هذا العصر السعيد.

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    • سوط

      تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن جماعات شيطانيّة تتحكّم في المصائر، وتؤكد أنّها لم تكن بالضرورة مجانبة للصواب، شأنها في ذلك شأن الخطابات التي تسفّه القيّم الغربيّة وتُسقط عنها...

    • عن الوحشيّة عموما وعن الغرب بالخصوص

      قد تبدو الكلماتُ تعيسةً أمام الأهوال التي تحدثُ، وقد يبدو كلّ موقفٍ لا يغيّر الحال مجرّد انفعال بلا أثر، أمام الجدران التي أقامتها وسائل الإعلام الغربيّة ووسائل إعلام عربيّة مُتصهينة، حاولت اختزال ما يحدثُ في ردّة  فعل على اعتداء لمنع...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى