باتت الآداب والفنون تُعاني من مشكلاتٍ في التلقي تجعلها محلّ محاسبةٍ بأدوات الواقع أو بأدوات التاريخ والدين والأخلاق.

فيُساءل كاتب الرواية عن سلوكِ أبطاله ومخرجُ الفيلم عن عدم مُطابقة قصّته الخياليّة للوقائع الشّائعة، وأخطر من ذلك ما نراه من اتهامات لمبدعين بتشويه حقائق أو الإساءة إلى رموزٍ، بسببِ تأويلاتٍ لا يحتملها بالضّرورة عملٌ فنيٌّ.
ردود الأفعال من هذا النّوع، كانت تُثيرها في السّابق، منابرٌ مُؤدلجة أو يتبنّاها "مثقّفون تقليديون"، لكنّها تحوّلت إلى ظاهرةٍ في زمن شبكات التّواصل، حيث يكفي أن يُلقي أحدهم بتهمةٍ، قد تكون نتيجة قصورٍ في الفهم، حتى تتحوّل إلى قضيّة، وأصبح بعض المشتغلين في قطاعي الثقافة و الإعلام يتعمّدون إثارة الجماهير بهذه المسائل توسلًا للمتابعة، من دون تقدير الأضرار التي تلحق الكتّاب والفنّانين جراء استهدافهم بشكلٍ شخصي بجريرة أعمالٍ يفترض أن يناقشها أهل الاختصاص.
هذا الوضع يُحيل إلى مشكلة في التلقي ناجمة عن تراجع "استهلاك" الآداب والفنون وانحراف النّقاش بشأنها، بفعل تراجع فضاءات العرض كدور السينما والمسارح و عدم اهتمام وسائل الإعلام بالإنتاج الثقافي عمومًا، فضلًا عن التوجهات العلميّة والتقنيّة التي طغت على نظام التّعليم تناغمًا مع متطلّبات العصر والسّوق. و النتيجة بروز أجيال جديدة تفتقر إلى الذائقة والثقافة الفنيّة وتميلُ إلى التقليل من شأن الفنون، بل وتحقيرها في كثيرٍ من الأحيان.
لذلك تبرز الحاجة إلى سيّاسة ثقافيّة يُستدرك بموجبها التقصيرُ الحاصلُ في تكوين الإنسان الجزائري فنّيًا، و إلى وعيٍ عام بأهميّة ذلك، لأنّ استقرار المجتمع وتعافيه من كثيرٍ من الآفات يقتضي تدريبًا للأفراد على صناعة الجمال وتذوّقه وتعاطيه، كما أنّ التكوين العلمي والتقني لا يتناقض على الإطلاق مع تلقين الآداب والفنون.
هذه المهمة يجب أنّ تنهض بها المجموعة الوطنيّة ككلّ، من المؤسّسة التعليميّة إلى المؤسّسة السياسيّة إلى وسائل الإعلام التي باتت تغيّب الشأن الثقافي والمثقفين والفنّانين وتُسرف في إثارة مسائل يفترضُ أن تتولاها المخابر ومراكز البحث، وذلك على حساب دورها الترفيهي  الذي يمكّن من استقطاب الجمهور الواسع عوض تنفيره وتركه فريسة لمحتوى مدمّر على مواقع التواصل.

سليم بوفنداسة

    • استدعاء المُؤسّسين

      يستمرّ روّاد الأدب الجزائري من خلال إتاحة نصوصهم للأجيال الجديدة من القرّاء، عبر المنصّات الالكترونيّة أو في طبعاتٍ مدعومة تكون في متناول الطلبة والتلاميذ. فليس من العدل أن تختفي روايات الآباء المؤسّسين أو تظهر في طبعاتٍ...

    • صناعةُ الرّمز وهدمه

      لم تتأثّر مكانة الرّموز الفنيّة والأدبيّة في المجتمعات الموصوفة بالاستهلاكيّة، بالانفجار الكبير في تقنيّات التّواصل، ولم تُغفل في زحمة الأخبار المطلوبة جماهيريا ولم تسقط من اهتمامات صنّاع الرأي العام من صحفٍ رصينة وقنواتٍ...

    • تيـــه

      باتت الآداب والفنون تُعاني من مشكلاتٍ في التلقي تجعلها محلّ محاسبةٍ بأدوات الواقع أو بأدوات التاريخ والدين والأخلاق. فيُساءل كاتب الرواية عن سلوكِ أبطاله ومخرجُ الفيلم عن عدم مُطابقة قصّته الخياليّة للوقائع الشّائعة، وأخطر من...

    • الانتشار ضدّ القيمة

      تمنحُ المنصّات الالكترونيّة فضاءً جديدًا للأدب يقرّبه من جمهورٍ لم يكن من هواة الكتب بالضرورة، لكنّها تحرّره، بالمقابل، من قواعد الكتابة وشروطها الفنيّة، فتنسفُ التقاليد التي راكمتها السلالاتُ الكاتبة على مرّ الأزمنة، بل وتستهدف "القيمة" حين...

    • أيام الحروب العاديّة

      حوّل مُفترسو عصرنا الحروبَ إلى أحداث عاديّة، لا تجلب الاهتمام سوى في أيامها الأولى، ثم تُختزل فيما بعد في عدد القتلى الذي تتضارب بشأنه البيانات. وربما ستصبح نشرات الطّقس، أهمّ من نشرات أخبار الحروب، في زمن التطرّف المناخي الذي...

    • قوّة ناعمة

        سليم بوفنداسة تعيشُ مدنٌ و بلدانٌ حياةً ثانيّة في الأدب، برعايةِ خيالٍ عارفٍ يجعلها أبديّة وغير قابلة للسّقوط، لأنّها سكنت الذاكرة الجمعيّة عبر تأريخٍ موازٍ يمنحها الحصانة أمام تقلّبات الدهر وأمام الأفول الذي يصيب الحضارات بشرًا...

    • مُخترعُ العزلةُ

        أصاب السّرطان أحد أكبر كتّاب الرواية، وهو بعدُ في السّادسة والسبعين بملامح فتوّة أبديّة وبمتواليّة من الفانتزيات منحت الأدب المكانة والشّغف في زمن المرئيات، وقدّمت أبناء إمبراطوريّة العصر ككائنات هشّة في معارضةٍ بديعةٍ للصّورة...

    • عالم لا تُُُحتمل نعومتُه !

      نجحت نساءُ العالم في تقويض قرون من سُلطة الذكورة بنضالٍ مريرٍ، وتُترجم ذلك المكانة التي انتزعتها المرأة سواء باحتلالها مراكز قياديّة أو بإبداعاتها وحتى في فرض تشريعات تصون حقوقها وتحميها من "عدوان" الذّكر الغالب.  بل إنّ عالم...

    • يكتبُ الشّعر أيضًا!

      يجيبُ على جميع الأسئلة في مختلف المجالات، كأولئك الذين نصادفهم يوميا في كلّ مكان فيبادرون إلى إخبارنا بأحوال العالم مع تعليلاتهم الخاصّة، مع فارق في الدقة، هو خاصيّته الجينيّة باعتباره كائنًا ذكيًا ينحدر من شجرة "الأتمتة"...

    • حديث الكرامة

      وجهت إفريقيا رسائل إلى العالم يُفهم منها أنّ القارة المُستباحة لم تعد  "سهلة المنال"، سواء بالنّسبة للنّاهبين القدامى الذين يعيشون على "ريع" الإمبراطوريات، أو النّاهبين الجُدد الذين يقترحون مشاريع مُضحكة على بلدان القارة، تتمثّل في...

    << < 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 > >> (28)
الرجوع إلى الأعلى