لم تتأثّر مكانة الرّموز الفنيّة والأدبيّة في المجتمعات الموصوفة بالاستهلاكيّة، بالانفجار الكبير في تقنيّات التّواصل، ولم تُغفل في زحمة الأخبار المطلوبة جماهيريا ولم تسقط من اهتمامات صنّاع الرأي العام من صحفٍ رصينة وقنواتٍ إخباريّة، فموت ملكة الروك "تينا تيرنر" مثلًا، تصدّر الصّحافة الأمريكيّة  في يوم ترشّح حاكم فلوريدا  رون دي سانتيس كمنافسٍ لترامب في الانتخابات التمهيدية لتمثيل الحزب الجمهوري في الرئاسيات الأمريكيّة. ما يعني أن السيّاسة قد تصيرُ أقلّ أهميّة في أقوى بلد في العالم، حين يتعلّق الأمر برمزٍ له مكانته في الوجدان، وربما كان ذلك من فضائل الديمقراطيات العريقة التي تتيح صناعة الرّمز أولًا وتحفظ له مكانته بعد ذلك.

فالمجتمعات الليبرالية التي يطيبُ لنا هجاؤها تمنحُ فرص النّجاح للمجتهد بقدر اجتهاده في مختلف مناحي الحياة، وقصّة ملكة الروك التي تحوّلت من امرأة مضطهدة إلى أيقونة خيرُ مثالٍ على ذلك.
تُترجمُ الفنونُ والآدابُ عبقريّات الشّعوب ويحفر منتجوها مجاريهم في الذاكرة الجماعيّة والوجدان بالأثر الفنيّ، فقط لا غير، ويشير تعدّد الرّموز إلى وضعيّة حضاريّة تتّسم بالتفوّق والغنى، ولا يحجبُ فيها الرّمزُ الرّمزَ، فالفضاء يتّسع للجميع والمجدُ يصيب في مختلف المواقع.
الدروس والأمثلة الواضحة على سبورة عصرنا، تنبّهنا إلى ضرورة الاهتمام بمنتجي القيّم الثابتة والباقيّة لأنّهم يدلّون علينا في هذه الغابة الكونيّة ولأنّهم يُنتجون ما يدلّ علينا حين تحوّلنا آلة الوقتِ إلى أثرٍ.
تنبيهٌ يعني صنّاع الرأي في المؤسّسات الحقيقيّة المعنيّة بذلك، ويعني أيضًا الأكاديميين و"برّاحي" مواقع التواصل الذين يرّوجون في كثيرٍ من الأحيان لقيّم زائفة ويخدشون مبدعين ويؤلّبون الجماهير سريعة الاشتعال عليهم في تسوّلهم للمتابعة وركوبهم لأحصنة التأثير، بل أنّهم باتوا يهدّدون حريّة المبدع من خلال تأويلات للأعمال تُشيطن صاحبها وتضعه في مرمى التعليقات القادحة إن لم تعرّضه للخطر.
فالقيمة المُنتجة تحتاجُ إلى قدرات في التلقي تنمّيها التنشئة والتعليم والتّثقيف،  وإذا لم يتوفر هذا المعطى فإنّ المبدع يعيش حالة اغترابٍ، فيما يُحرم المجتمع من مردوده الجمالي الذي يمنح التوازن ويصون الذوق. 

سليم بوفنداسة

    • عباءة الجمهوريّة

      " ربما ستكون فرنسا في حالٍ أفضل لو ذهب المتمسّكون بالنمط الإسلامي فيها إلى بلدان إسلاميّة كما فعل بن زيمة"!هذا ما خلص إليه زعيم "الجبهة الوطنيّة" جوردان بارديلا، في معرض تعليقه على ارتداء كريم بن زيمة الزيّ السعودي في العيد...

    • حجاب

      لا تواكب الظواهر والتحوّلات الاجتماعيّة دراساتٌ بارزة، رغم توفر المادة في الحالة الجزائريّة، ورغم حاجة المجموعة الوطنيّة إلى تفسير "ما يحدث" بعيدًا عن المُعالجات السطحيّة  والاستنتاجات ذات الطابع السيّاسي التي سقط فيها حتى بعض...

    • نُدرة المُستهلك

      بات المعرضُ الدوليّ، فرصة حياةٍ للكتاب وصاحبه وناشره والماشي بينهما، لذلك يكاد الاهتمامُ بالكتاب يتوقّف عند هذه الفترة من السنة، ولا لوم على جميع المتدخّلين في هذا النّشاط المهدّد، ليس بسببِ غلاء الورق ولكن بسببِ ندرة...

    • لا تنظر إلى الشمال!

      أحيت الانقلابات التي عرفتها إفريقيا مؤخرًا، النّقاش حول الإرث الاستعماري، الفرنسيّ تحديدًا. و جرى ربطُ عدم الاستقرار السيّاسي والمشاكل الاقتصاديّة في هذه البلدان بهيمنة المستعمر القديم من خلال فرض نخبٍ مُواليّة تضمنُ استمرار...

    • درسٌ للمُبتدئين

      اختار ميلان كونديرا العُزلة كأسلوب في حياته التي بدأت صاخبةً، بقصّة انشقاقٍ مُعلن ومجدٍ خدمته السيّاسة من دون أن تفسد للأدب قضيّة.  الكاتبُ الذي توفي الأسبوع الماضي، أغلق الأبواب أمام الصّحافة والحياة العامة منذ منتصف ثمانينيات القرن...

    • محمد و نائل

      قبل أن يقوم الشرطيُّ الفرنسيّ بتصفيّة نائل، كانت صحافة هذا البلد قد تولّت، بعد طول استخدام، الإجهاز على "صحافيّ" من أصول جزائرية حمل على عاتقه مهمّة الدفاع عن الجمهوريّة الفرنسيّة ومحاربة "الإسلاماوية" لأكثـر من ثلاثة عقود.و...

    • الصّفةُ و الموصوفُ

      ينالُ الفنّانُ الحقيقيُّ من الحياةِ في اشتباكه بها، لأنّه غير حريصٍ عليها وغير مُلتزم ببروتوكولاتها، ولأنّه منصرفٌ إلى عالمه و همّه، لا يطلبُ الاعتراف و لا الجزاء، لأنّ الفنّ أسلوبٌ في العيش ومُخاتلة للحياة نفسها. لذلك يُحيل كلّ...

    • استدعاء المُؤسّسين

      يستمرّ روّاد الأدب الجزائري من خلال إتاحة نصوصهم للأجيال الجديدة من القرّاء، عبر المنصّات الالكترونيّة أو في طبعاتٍ مدعومة تكون في متناول الطلبة والتلاميذ. فليس من العدل أن تختفي روايات الآباء المؤسّسين أو تظهر في طبعاتٍ...

    • صناعةُ الرّمز وهدمه

      لم تتأثّر مكانة الرّموز الفنيّة والأدبيّة في المجتمعات الموصوفة بالاستهلاكيّة، بالانفجار الكبير في تقنيّات التّواصل، ولم تُغفل في زحمة الأخبار المطلوبة جماهيريا ولم تسقط من اهتمامات صنّاع الرأي العام من صحفٍ رصينة وقنواتٍ...

    • تيـــه

      باتت الآداب والفنون تُعاني من مشكلاتٍ في التلقي تجعلها محلّ محاسبةٍ بأدوات الواقع أو بأدوات التاريخ والدين والأخلاق. فيُساءل كاتب الرواية عن سلوكِ أبطاله ومخرجُ الفيلم عن عدم مُطابقة قصّته الخياليّة للوقائع الشّائعة، وأخطر من...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى