أحيت الانقلابات التي عرفتها إفريقيا مؤخرًا، النّقاش حول الإرث الاستعماري، الفرنسيّ تحديدًا. و جرى ربطُ عدم الاستقرار السيّاسي والمشاكل الاقتصاديّة في هذه البلدان بهيمنة المستعمر القديم من خلال فرض نخبٍ مُواليّة تضمنُ استمرار نهْبِ الثـروات والتبعيّة السيّاسيّة والثقافيّة.

و المؤكد أنّ البلدان المعنيّة جاهرت برفض الهيمنة الفرنسيّة في مُظاهرات شعبيّة وفي قرارات فكّ الارتباط مع اللّغة الفرنسيّة والجيش الفرنسي، بما يؤشّر لبداية عهدٍ جديدٍ في تاريخ القارة سيصعب على الفرنسيين هضمه بسهولة، ويمكن إدراج البكاء على  ديمقراطياتٍ كاذبة والتلويح بالتدخّل ضمن هذا السيّاق، إذ من السذاجة أن نصدّق أنّ العواصم الغربيّة التي تُدير مخابرها الاستعمار الجديد والمستجدّ تُعير الاهتمام لحريّات وحقوق شعوبٍ هي التي سلبتها الحقّ في العيش الكريم بعد أن كانت تحرمها من الحقّ في الحياة نفسها.
ويجب التأكيد هنا على المسؤولية الأخلاقيّة لدوّل تُناقضُ في السّر ما تدعو إليه في العلن، بدعم أنظمة تضمن مصالحها على حساب الشّعوب وباستنزاف مقدراتها الوطنيّة وحتى مواردها البشريّة باعتماد أنظمة هجرة لسلب الأدمغة، وفوق ذلك إنتاج خطابٍ متعالٍ يحمّل الإفريقي مسؤوليّة تعاسته لأنّه لم "يُحسن دخول التاريخ" على حدّ تعبير نيكولا ساركوزي في خطبة دكار الشهيرة، أو من خلال الحديث عن مزايا الاستعمار كجوابٍ على مطالب الاعتذار والتعويض، في إنكارٍ متأخّر لجرائم ضد الإنسانيّة بموجب تشريعات المتنكّر نفسه.
لكنّ الإشارات التي أرسلتها الدوّل الإفريقيّة لن تكون كافيّة للخروج من وضعيّة تاريخيّة مُعقّدة، فالانقلاب العسكري ليس حلًا دائمًا  لإخفاقاتٍ في بناء دول وطنيّة مستقلّة وسيّدة في قراراتها، والاستنجاد بقوى جديدة لتعويض الناهبِ السّابق لن تكون مفيدة، حتى وإن كان الاستثمار في المتغيّرات الجيوسياسيّة  ضروريًا  لتخفيض تكلفة التغيير شريطة عدم تكرار تجارب الخضوع السّابقة.
تحتاجُ إفريقيا إلى نخبة سيّاسيّة وثقافيّة لا تتطلّع نحو الشمال وتؤمن بقدراتها الذاتية، بما يمكنّها من إحداث القطائع الضرورية مع مرحلة ما بعد الاستعمار، التي هي في حقيقة الأمر وضعيّة استعمارية بتعريف مزيّف، فالخلاص لن يأتي سوى من الداخل ومن الإنسان الإفريقي ذاته وقد آمن بأن مصيره بيده وليس بأيدي لصوص المعادن، حتى وإن اختلف اللاحقون منهم عن السابقين.

سليم بوفنداسة

    • عباءة الجمهوريّة

      " ربما ستكون فرنسا في حالٍ أفضل لو ذهب المتمسّكون بالنمط الإسلامي فيها إلى بلدان إسلاميّة كما فعل بن زيمة"!هذا ما خلص إليه زعيم "الجبهة الوطنيّة" جوردان بارديلا، في معرض تعليقه على ارتداء كريم بن زيمة الزيّ السعودي في العيد...

    • حجاب

      لا تواكب الظواهر والتحوّلات الاجتماعيّة دراساتٌ بارزة، رغم توفر المادة في الحالة الجزائريّة، ورغم حاجة المجموعة الوطنيّة إلى تفسير "ما يحدث" بعيدًا عن المُعالجات السطحيّة  والاستنتاجات ذات الطابع السيّاسي التي سقط فيها حتى بعض...

    • نُدرة المُستهلك

      بات المعرضُ الدوليّ، فرصة حياةٍ للكتاب وصاحبه وناشره والماشي بينهما، لذلك يكاد الاهتمامُ بالكتاب يتوقّف عند هذه الفترة من السنة، ولا لوم على جميع المتدخّلين في هذا النّشاط المهدّد، ليس بسببِ غلاء الورق ولكن بسببِ ندرة...

    • لا تنظر إلى الشمال!

      أحيت الانقلابات التي عرفتها إفريقيا مؤخرًا، النّقاش حول الإرث الاستعماري، الفرنسيّ تحديدًا. و جرى ربطُ عدم الاستقرار السيّاسي والمشاكل الاقتصاديّة في هذه البلدان بهيمنة المستعمر القديم من خلال فرض نخبٍ مُواليّة تضمنُ استمرار...

    • درسٌ للمُبتدئين

      اختار ميلان كونديرا العُزلة كأسلوب في حياته التي بدأت صاخبةً، بقصّة انشقاقٍ مُعلن ومجدٍ خدمته السيّاسة من دون أن تفسد للأدب قضيّة.  الكاتبُ الذي توفي الأسبوع الماضي، أغلق الأبواب أمام الصّحافة والحياة العامة منذ منتصف ثمانينيات القرن...

    • محمد و نائل

      قبل أن يقوم الشرطيُّ الفرنسيّ بتصفيّة نائل، كانت صحافة هذا البلد قد تولّت، بعد طول استخدام، الإجهاز على "صحافيّ" من أصول جزائرية حمل على عاتقه مهمّة الدفاع عن الجمهوريّة الفرنسيّة ومحاربة "الإسلاماوية" لأكثـر من ثلاثة عقود.و...

    • الصّفةُ و الموصوفُ

      ينالُ الفنّانُ الحقيقيُّ من الحياةِ في اشتباكه بها، لأنّه غير حريصٍ عليها وغير مُلتزم ببروتوكولاتها، ولأنّه منصرفٌ إلى عالمه و همّه، لا يطلبُ الاعتراف و لا الجزاء، لأنّ الفنّ أسلوبٌ في العيش ومُخاتلة للحياة نفسها. لذلك يُحيل كلّ...

    • استدعاء المُؤسّسين

      يستمرّ روّاد الأدب الجزائري من خلال إتاحة نصوصهم للأجيال الجديدة من القرّاء، عبر المنصّات الالكترونيّة أو في طبعاتٍ مدعومة تكون في متناول الطلبة والتلاميذ. فليس من العدل أن تختفي روايات الآباء المؤسّسين أو تظهر في طبعاتٍ...

    • صناعةُ الرّمز وهدمه

      لم تتأثّر مكانة الرّموز الفنيّة والأدبيّة في المجتمعات الموصوفة بالاستهلاكيّة، بالانفجار الكبير في تقنيّات التّواصل، ولم تُغفل في زحمة الأخبار المطلوبة جماهيريا ولم تسقط من اهتمامات صنّاع الرأي العام من صحفٍ رصينة وقنواتٍ...

    • تيـــه

      باتت الآداب والفنون تُعاني من مشكلاتٍ في التلقي تجعلها محلّ محاسبةٍ بأدوات الواقع أو بأدوات التاريخ والدين والأخلاق. فيُساءل كاتب الرواية عن سلوكِ أبطاله ومخرجُ الفيلم عن عدم مُطابقة قصّته الخياليّة للوقائع الشّائعة، وأخطر من...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى