قد تبدو الكلماتُ تعيسةً أمام الأهوال التي تحدثُ، وقد يبدو كلّ موقفٍ لا يغيّر الحال مجرّد انفعال بلا أثر، أمام الجدران التي أقامتها وسائل الإعلام الغربيّة ووسائل إعلام عربيّة مُتصهينة، حاولت اختزال ما يحدثُ في ردّة  فعل على اعتداء لمنع تكراره.

لكنّ كلمات قليلة نجحت في اختراق الجدران وإرباك السرديّة الغربيّة الصهيونيّة للمأساة الفلسطينيّة، حيث تمكّن ناشطون وصحافيون فلسطينيون وعرب من تقديم  حقائق عاريّة عن وحشيّة الكيان وتهافت وبهتان داعميه، في تدخلاتهم عبر وسائل إعلام دولية أو في نشاطهم التوثيقي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، رغم الحجب والتضييق، بل وأحرجوا محاوريهم الغربيّين وقدموا لهم دروسًا في أخلاقيّات الصّحافة، بعد فضح انحيازهم لرواية المعتدي وإخراج ما يحدث عن سيّاقه التاريخي، في ترجمة لنهج  إدوارد سعيد الذي لخّصه في عبارة بديعة: مجابهة القوّة بخطاب الحقّ.
لقد أصرّ صحافيون و نشطاء فلسطينيون على نقل الحقائق من الأرض، ويكفي أن من بينهم من أبيدت عائلاتهم لكنّهم ظلّوا صامدين أمام الكاميرا، لأنّ ثمّة قصّة تروى للعالم، قصّة يقتضي سردها تجاوز المأساة الشخصيّة.
وهكذا وقف الرأي العام العالمي على المغالطات التي تسوّقها الحكومات الغربيّة المنخرطة في الجريمة، ووسائل إعلام تموّلها لوبيات صهيونية، وفي أيام معدودات اتضح أن الدوّل الغربيّة التي تروّج للديمقراطية وحقوق الإنسان، تقع فعلًا تحت "احتلال" اللّوبي المذكور، الذي يعيّن الرؤساء ويرسم الخطّ الافتتاحي لوسائل الإعلام، وينصب مشنقة "معاداة الساميّة" لكلّ من جاهر بالحقيقة.
وذلك مكسب آخر إلى جانب إعادة القضيّة إلى واجهة الأحداث العالميّة، بعد أن كادت تُقبر بسبب التواطؤات الغربيّة والعربيّة مع الاحتلال.
هذا الوضع الجديد جعل الأذرع الإعلامية والفكريّة تتحرّك محذرة ، كالعادة، من تسفيه ما يسمى بالمحرقة، أو "عولمة الكراهيّة" على حدّ تعبير الفيلسوف ألان فينكلكروت، والكراهيّة هنا هي الترجمة الغريبة لكلّ انتقاد لما يقوم به الكيان الصهيوني.
لكنّ السقوط الأخلاقي لفلاسفة الصهيونية، شأنهم شأن الحكومات ووسائل الإعلام الغربيّة، لم يعد خافيًا، وقدرتهم في الإقناع خفتت رغم المساحات الواسعة التي تخصّص لهم في وسائل إعلام لتقديم "مونولوغات" بائسة وتظهر تناقضاتهم كحال برنار هنري ليفي الذي رفض مقارنة صورة لعمارة أصابها صاروخ روسي في أوكرانيا بعمارة قصفت وسقطت على ساكنيها في غزة لأنّ الأوكرانيين مقاومون، في نظره، أما أهل غزة فلم يجد حرجًا في وصفهم بالأوغاد.
ما تقدّم يؤكد بوضوح "سقوط الغرب" على جميع الأصعدة، والفضل للدم الفلسطيني الذي كشف للإنسانيّة عن الوجه الوحشيّ لحضارة قدّمت نفسها كخلاصة لكلّ الحضارات.

سليم بوفنداسة

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    • سوط

      تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن جماعات شيطانيّة تتحكّم في المصائر، وتؤكد أنّها لم تكن بالضرورة مجانبة للصواب، شأنها في ذلك شأن الخطابات التي تسفّه القيّم الغربيّة وتُسقط عنها...

    • عن الوحشيّة عموما وعن الغرب بالخصوص

      قد تبدو الكلماتُ تعيسةً أمام الأهوال التي تحدثُ، وقد يبدو كلّ موقفٍ لا يغيّر الحال مجرّد انفعال بلا أثر، أمام الجدران التي أقامتها وسائل الإعلام الغربيّة ووسائل إعلام عربيّة مُتصهينة، حاولت اختزال ما يحدثُ في ردّة  فعل على اعتداء لمنع...

    • حريّةٌ مشروطة

      خضع كتّاب جزائريون لقواعد اللّعبة التي يضعها اللّوبي الصهيوني وتمتثلُ لها وسائل الإعلام الفرنسيّة في التعاطي مع ملف الحرب على غزّة. هذه الفئة من الكتّاب، تكتب بالفرنسيّة و تتوجّه بالأساس إلى الجمهور الفرنسي، وتنشد الجوائز...

    • نهاية خطاب الباطل

      ستسقطُ أشياءٌ كثيرة بعد هذه الحرب، وسيُعاد النّظر في كثيرٍ من المفاهيم التي تحوّلت إلى معتقدات لدى نخبٍ من "عالمنا" آمنت بالقيّم التي يدعيها الغرب و"نزّلتها" على واقعٍ له وضعيّته الخاصّة، وضعيّته المأساوية التي تسبّب فيها الغربُ بالذات بهوسه...

    • أعشابُ الخلود وفخاخه

      تلقى أمين معلوف ثالث أغلى هديّة من فرنسا بانتخابه على رأس أكاديميتها، بعد الانتساب لذات الهيئة التي تجمع "الخالدين" والفوز بالغونكور. وقد تكون جميع الهدايا مستحقّة بالنّسبة لكاتبٍ نال حبّ القرّاء في مختلف اللّغات في رواياته التي تستعين...

    • عباءة الجمهوريّة

      " ربما ستكون فرنسا في حالٍ أفضل لو ذهب المتمسّكون بالنمط الإسلامي فيها إلى بلدان إسلاميّة كما فعل بن زيمة"!هذا ما خلص إليه زعيم "الجبهة الوطنيّة" جوردان بارديلا، في معرض تعليقه على ارتداء كريم بن زيمة الزيّ السعودي في العيد...

    • حجاب

      لا تواكب الظواهر والتحوّلات الاجتماعيّة دراساتٌ بارزة، رغم توفر المادة في الحالة الجزائريّة، ورغم حاجة المجموعة الوطنيّة إلى تفسير "ما يحدث" بعيدًا عن المُعالجات السطحيّة  والاستنتاجات ذات الطابع السيّاسي التي سقط فيها حتى بعض...

    • نُدرة المُستهلك

      بات المعرضُ الدوليّ، فرصة حياةٍ للكتاب وصاحبه وناشره والماشي بينهما، لذلك يكاد الاهتمامُ بالكتاب يتوقّف عند هذه الفترة من السنة، ولا لوم على جميع المتدخّلين في هذا النّشاط المهدّد، ليس بسببِ غلاء الورق ولكن بسببِ ندرة...

    • لا تنظر إلى الشمال!

      أحيت الانقلابات التي عرفتها إفريقيا مؤخرًا، النّقاش حول الإرث الاستعماري، الفرنسيّ تحديدًا. و جرى ربطُ عدم الاستقرار السيّاسي والمشاكل الاقتصاديّة في هذه البلدان بهيمنة المستعمر القديم من خلال فرض نخبٍ مُواليّة تضمنُ استمرار...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى