غضب الجزائريون من الوحش البحري الذي قضم  الخيط الذي يربطهم بالحياة وساءت أحوالهم في الأيام القليلة التي قلّ فيها التدفق. ورغم التطمينات التي قدمها القيّمون على شؤون الخيط، بأن الحرمان لن يدوم أكثر من أسبوع، إلا أن الخوف سكن البطون وبدأ الناس يتصورون السيناريوهات الأبوكاليبتية لحياة بدونه.
 لا نتحدث هنا عن الخسائر الاقتصادية لأن مؤسساتنا، لحسن الحظّ، محصنّة ولا تعوّل على التكنولوجيا في إدارة شؤونها ضمن تصورات مستقبلية أثبتت صوابها وقت الكوارث ولكن عن الخسائر الروحية لشعب بدأ يهجر الحياة نحو الحياة الافتراضية وبات قطاع واسع منه يعيش في الفضاء الأزرق غير المسيّج حيث يجري تبادلات حرّة يحصّل بموجبها ما عزّ تحصيله في الواقع.
ثمة تغيرات بدأت تطرأ على سكان هذا الإقليم ليس بفضل التنمية البشرية ولكن بسبب تكنولوجيات الاتصال التي أتاحت لهم فرص مراوغة الأنساق الكلاسيكية بل ومكنتهم من «فرض الذات» على المسرح الضوئي من خلال التعليق على الأحداث بإسراف وتبادل الأخبار وإبداء الرأي السديد في كل شيء. وبات من السهل التقاط الجزائري من خلال الشخصية القاعدية الافتراضية التي يقدمها على الشبكة، وهي في العموم شخصية محشوة برياح البطولات وريشها ومزينة بالمعارف الموسوعية تضاف إليها خصلة أبدية تتمثل في تمجيد الذات وتسفيه الآخر. و في السياق تتدفق قصص حب ووصال وغدر وتجري حياة كريمة موازية للحياة الواقعية الشحيحة التي لا مسرّات فيها، بل وينال «العاديُّ» حظّ النجم من خلال رفع حياته مصوّرة إلى الناس.
هكذا تكرست الحياة الجديدة في الشاشات بعد أن ضاقت الحياة القليلة في الواقع، قبل ظهور الوحش المائي قاضم الخيط الذي أعاد الناس إلى ما لا يحبّون وتسبّب في تعطيل الأرواح لنحو أسبوع.
و نكاية في كل الوحوش المائية وحفاظا على الأرواح الطيبة منها والشريرة يرى الساهرون على الأمر بعيون جزعة أن الحلّ يكمن في الإكثار من الخيوط عسيرة القضم، حتى ما إذا قضم خيط تدفق إخوته عنه.
و الهدف هو الحفاظ على الأرواح وتجنّب كسرها أو غضبها، بغض النظر عن تفادي الخسائر الاقتصادية للمؤسسات التي تحتمي بالبدائية من الهزات.
ملاحظة لا ضرورة لها
تساهم تكنولوجيات الاتصال غالبا في ازدهار الشعوب والأمم، وفي بعض الحالات تتحوّل إلى طريق تعيد الإنسيّ إلى غابته الأولى.

سليم بوفنداسة

 

 
    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    • سوط

      تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن جماعات شيطانيّة تتحكّم في المصائر، وتؤكد أنّها لم تكن بالضرورة مجانبة للصواب، شأنها في ذلك شأن الخطابات التي تسفّه القيّم الغربيّة وتُسقط عنها...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى